ليست مصادفة أن يتمّ تفجير سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية من بيروت معقل حزب الله يوم الخميس، الثاني من يناير 2014 ، أسفر عن مقتل 4 أشخاص وحوالي 60 جريحا حسب إعلان وزير الصحة اللبناني، أي بعد ستة أيام بالضبط من اغتيال محمد شطح مستشار زعيم تيار المستقبل اللبناني، وأيضا بسيارة مفخخة أوقعت أيضا خمسة قتلى وحوالي 70 جريحا. وقبل البدء برصد هذه الرسائل التي أراد إرهابيو تفجير الضاحية الجنوبية توصيلها، من المهم الانتباه إلى معلومة لم يتم التركيز عليها خاصة أنّها صادرة عن حزب الله، وهي معلومة لها رائحة خاصة، إذ quot; اكّدت مصادر حزب الله للمؤسسة اللبنانية للإرسال أن انفجار حارة حريك لم يستهدف أحدا من الحزب وأنّ المكتب السياسي للحزب القريب نسبيا من الانفجار لم يتضررquot;. هل يفهم من ذلك أنّ المهم عند الحزب هو سلامة أعضائه أولا؟ وكيف عرف الحزب أن التفجير لم يستهدف أحدا من أعضائه؟ ولماذا وكيف لم يتضرر المكتب السياسي للحزب و مبنى تلفزيون المنار القديم و المكتب السياسي للحزب، وكلها مبان قريبة من مكان الانفجار؟. هل كان الإرهابي الذي خطّط للتفجير رحيما إلى هذا الحد بأعضاء حزب الله ومباني الحزب المهمة كي لا تصاب بأي تدمير؟. أم أنّ التفجير عملية مصطنعة من المسيطرين على دويلة الضاحية الجنوبية المستقلة تماما عن العاصمة بيروت من كافة النواحي الأمنية والإدارية؟. من هذه النقطة حيث لا أضرار في مؤسسات ومباني الحزب الإلهي ولا استهداف لأشخاص منه حسب تصريح مسؤولي الحزب، يمكن توجيه أصابع الإتهام بدقة للقائمين بهذا التفجير، ورصد الرسائل التي أرادوا توجيهها من خلاله، وأهم هذه الرسائل هي:

1 . تضليل إتهام الحزب الإلهي باغتيال محمد شطح،
خاصة أن كافة المعطيات الميدانية تتهم الحزب صراحة بهذه العملية الإجرامية للتخلص من شخصية لها دور فاعل داخل تيار المستقبل ولها ثقلها وتميزها الدولي، إذ عمل سفيرا للبنان لدى الولايات المتحدة الأمريكية ( 1997 ndash; 2000 )، وعمل في صندوق النقد الدولي ( 2001 ndash; 2005 )، ولبنانيا عمل مستشارا رفيعا لرئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة ( 2005 ndash; 2008 ) وعيّن وزيرا للمالية عام 2008 ، لذلك أشار فؤاد السنيورة صراحة للقاتل في بيان نعيه للفقيد عندما قال: quot; إنّ القاتل هو نفسه الذي يوغل في الدم السوري واللبناني..هو وحلفاؤه اللبنانيون من درعا إلى حلب إلى دمشق إلى كل سورياquot;. نعم إنّ هؤلاء القتلة أرادوا من تمثيلية تفجير الضاحية التضليل حول عملية اغتيال شطح ولفت الأنظار بعيدا ولو لأيام قليلة عن جرائمهم بحق الشعبين السوري واللبناني. وقد كان سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق أكثر صراحة عندما قال: quot; الذين اغتالوا محمد شطح هم الذين اغتالوا رفيق الحريري والذين يريدون اغتيال لبنان وتمريغ أنف الدولة بالذل والضعف والفزعquot;، وإلا لماذا حزب الله فقط من بين كافة القوى اللبنانية ودول العالم من يرفض الخضوع للمحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري، ولو كان بريئا لما رفض تسليم أعضائه المطلوبين للتحقيق في المحكمة الدولية.

2 . خدمة الحليف العراقي في تطهيره العرقي للسنّة
إذ كان حليف وحش سوريا ديكتاتور العراق نوري المالكي في مأزق حقيقي جراء عملياته الإرهابية في محافظة الأنبار التي يقوم بها من منطلق طائفي بحت، فجاءت عملية التفجير المصطنعة في الضاحية الجنوبية خدمة لتوجاته الطائفية التدميرية، بدليل أنّه كان قد دعا الجيش إلى الإنسحاب من المدن، ثم تراجع عن قراره معلنا إرسال قوات اضافية إلى المحافظة، رغم الانتقادات العنيفة التي وجهت له من داخل التحالف العراقي الشيعي الحاكم، إذ أعلن باقر الزبيدي رئيس كتلة المواطن النيابية والقيادي في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي برئاسة عمّار الحكيم quot; إنّ المجلس يؤكد على أهمية احترام مرجعية التحالف واحترام كتله السياسية، وأن لا يتم اتخاذ القرارات الاستراتيجية والمحورية بشكل منفرد وخارج إطار مبدأ التشاور مع كتل التحالف السياسيةquot; وواضح تماما من تصريحه هذا أنّ غالبية القرارات هي فردية يتخذها المالكي حسب ارتباطاته ومصالحه مع ملالي طهران والنظام السوري، بدءا من شحن النفط العراقي وليس انتهاءا بفتح المجال الجوي العراقي لطائرات الملالي لإيصال الدعم والمقاتلين له. هذا مع تركيز إعلام المالكي وأبواقه على أنّ محافظة الأنبار أصبحت تحت سيطرة القاعدة وبالتالي فعمليات جيش المالكي هي ضد إرهابيين.

3 . التركيز على فكرة تعميم الإرهاب بشكل عام،
كي لا يظل التركيز المركزي في غالبية دول العالم على إرهاب نظامي الأسد والملالي، ويكفي التذكير بأنّ أول من علّق على تفجير الضاحية المصطنع هو عدنان منصور الذي وظيفته الرسمية شكلا هي quot;وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمالquot;، بينما هو حقيقة كما وصفته كارولين عاكوم في تقريرها لجريدة الشرق الأوسط : quot; إنه الوحيد الذي يكاد يلتزم قرار laquo;النأي بالنفسraquo; عن الإجماع العربي والقرار الرسمي اللبناني، ضاربا عرض الحائط بسياسة لبنان الرسمية التي تنص على أن تنأى الدولة بنفسها عن الصراعات والمحاور الإقليمية. تصريحات منصور وتجاوزاته المتتالية، ولا سيما منها المتعلقة بالأزمة السورية تدل بشكل لا يقبل الشك، على حمله لواء الدفاع المستميت عن النظام السوري، متخطيا في مرات عدة تعليمات رئيسي الحكومة والجمهورية ، جعلت فريق laquo;14 آذارraquo; يطلق عليه تسمية laquo;وزير خارجية سوريا لدى لبنانquot;. لذلك فهذا وزير خارجية سوريا في لبنان حلّق بعيدا عن تفجير الضاحية مطالبا بشكل عام محاربة quot; الموجة الارهابية في العالم تمول من جهات خارجية وهي بوتيرة متزايدة والدعم التي يأتي الى المجموعات يفوق امكانيات مجموعات او افراد، وتجفيف الارهاب يجب ان يتم من خلال تجفيف المصدر الذي يمول ويسلح ويخطط، ويجب ان نتعاطى مع المصدر وعليه ايقاف هذه العمليات quot;. وهل هذا التوصيف عنده يشمل إرهاب نظام الأسد ضد الشعب السوري وثورته؟ وهل يشمل أيضا تجفيف منابع إمداده بالنفط من عراق المالكي وبمقاتلي الحرس الثوري من طهران الملالي؟ خاصة بعد أن انكشفت بشكل واضح مسؤولية نظام الأسد عن تشكيل ما يسمى quot;داعشquot; وأخواتها بستار إسلامي مزيف، بدليل أنّ قتالها انحصر فقط ضد عناصر الجيش السوري الحر وكل مناوىء لنظام الأسد.

وبالتالي فهذا وكل المدافعين عن الحزب الإلهي ونظامي الأسد والملالي، من المهم أن يدركوا أنّ هذا الثلاثي لا ينطلق من مصلحة الطائفة الشيعية الشريك الأساسي في الأوطان، فهذه الطائفة الوطنية الشريفة في نظرهم مجرد ذبائح من أجل مصالحهم الشخصية والعائلية، وإلا فاي شيعي أو سنّي أو مسيحي يقبل بقاء الأسد الإبن ووالده مسيطرين ومتحكمين في سوريا شعبا ووطنا وثروة طوال 43 عاما حتى الآن فقط؟ وكذلك ملالي طهران من آية ألى إلى آية بحكم أنّ هذا الآية وكيل الله في الأرض ومن يعصى أوامره فقد عصا الله تعالى..أليس هذا هو الإرهاب بحد ذاته؟ فلماذا لا يتم دعم كل من يحاول دحر هذا الإرهاب وتجفيف منابع دعمه؟..هذه هي الرسائل التي أراد مصطنعو تفجير الضاحية الجنوبية توجيهها والتضليل من خلال التفجير على نواياهم وخططهم الحقيقية، لذلك توقعوا تفجيرات أخرى قريبا ليس في لبنان فقط ولكن في دول مجاورة أخرى لمزيد من التضليل ولفت الأنظار بعيدا عن إرهاب هذا الثلاثي وداعميه.
www.drabumatar.com