ربما لم يكن ينقص رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سوى الفضيحة السياسية - الاقتصادية الأخيرة التي هزت البلاد قبل أسابيع، وكادت تطيح بحكومته إثر تورط عدد من الوزراء في هذه القضية.

بيد أن ما أكسب هذه الأزمة التي تعتبر بحسب مراقبين الأسوأ من نوعها في عهد أردوغان، زخماً إضافياً هو أنها تأتي في ذروة التخبط السياسي الذي تعيشه أنقرة خلال الآونة بفعل سلسلة من التحديات الجادة والنوعية.

ولكن الأزمة أو الأزمات الداخلية وعلى quot;فداحتهاquot; لا تقارن بالأخطار الخارجية المحدقة ببلاد العثمانيين، فأنقرة التي وصلت إلى ذورة مجدها الإقليمي والشرق أوسطي عبر انتهاج سياسة quot;صفر مشاكلquot; التي نادى بها وزير الخارجية الحالي أحمد داوود أوغلو، تقف اليوم أمام مفترق طرق بفعل تعاظم التحديات الخارجية وبشكل خاص على الحدود مع جيرانها.

وكما بات معلوماً فقد شكلت الأزمة السورية المنعطف الأبرز في تدهور علاقات أنقرة مع دمشق ومن خلفها طهران وثم بغداد، بعدما بلغت أوجّها خلال السنوات العشر الماضية، حيث انزلقت تركيا بشكل دراماتيكي من نظرية quot;صفر مشاكلquot; إلى مشاكل وأزمات وربما quot;عداءاتquot; لا حصر لها مع الأقربينquot; أي (سوريا وإيران والعراق) ومن ثم quot;الأبعدينquot;.

حال تركيا مع quot;الأبعدينquot; أي السعودية والإمارات ومصر ليس أفضل على الإطلاق، فبعد تلقي جماعة الإخوان المسلمين في مصر (حلفاء أردوغان) ضربة قاصمة أدت إلى خروجها من السلطة مطلع يوليو الماضي، تدهورت العلاقات بين أنقر والقاهرة بشكل غير مسبوق حتى وصلت الأمور إلى حد التلويح المتبادل بطرد السفراء، وعلى وقع هذا الاشتباك بين الفراعنة والعثمانيين تدهورت العلاقات بشكل تلقائي بين أنقرة والرياض ومن خلفها أبوظبي كونهما دعمتا السلطات الجديدة في مصر، لتخسر بذلك تركيا ستة من أبرز حلفائها خلال وقت قياسي جداً.

وإذا ما وسّعنا الدائرة الجغرافية إلى أبعد من منطقة الشرق الأوسط، فإن الأمور بين أنقرة وواشنطن من جهة وأنقرة والمجموعة الأوروبية لا تبدو quot;بخيرquot; أيضاً، إذ يسودها الكثير من قلة الثقة والقليل من التعاون لاسيما وأن حكومة quot;الطيبquot; تعتبر أن الولايات المتحدة خذلتها بشكل أو بآخر في طريقة تعاطيها مع الأزمة السورية، ناهيك عن الخدوش التي أصابت هذه العلاقة بفعل التوتر الكبير بين تركيا وquot;إسرائيلquot; على خلفية مجزرة quot;مافي مرمرةquot; قبل عدة أعوام.

في المقابل، لا تبدي القارة العجوز (أوروبا) بدورها أدنى رغبة بتحسين علاقاتها مع أنقرة، وهو ما يدفعها إلى عرقلة انضمام تركيا إلى منظومة اليورو لاعتبارات عديدة بعضها سياسي والبعض الآخر اقتصادي.

وبناء على ما تقدم بات لزاماً من وجهة نظر العديد من المحللين على أردوغان أن يعي حجم وخطورة التحديات الراهنة التي تواجه حكومته، وبالتالي عليه أن يعيد النظر في ما آلت إليه الأمور مؤخراً، حتى يتسنى له إجراء عملية مراجعة شاملة من شأنها أن تخرج تركيا من عنق الزجاجة خارجياً وداخلياً، وإلا فإن المستقبل القريب قد يحمل quot;أفول نجمquot; حزب العدالة والتنمية وأردوغان الذي استطاع بحنكة قلة نظيرها جعل بلاده لاعباً إقليمياً ودولياً لا يمكن تجاوزه البتة.

وهنا ثمة من يعتقد أنه ينبغي على عرّاب نظرية quot;صفر مشاكلquot; أحمد داود أوغلو أن يعود للعب دور المهندس فقط، أي أن يتخلى عن الخارجية، فالرجل وطيلة فترة قيادته الأمور من خلف الكواليس نجح باللعب على التناقضات، كما أفلح بجعل أنقرة صديقة وحليفة للأعداء في آن معاً (إيران ndash; إسرائيل ndash; سوريا وغيرها)، وكذلك تمكن الرجل من التعاطي مع كافة الملفات والقضايا الحساسة بمنتهى الدهاء والذكاء وكل ذلك تم عن بعد، في حين كانت الصورة معكوسة تماماً بعد تسلمه مقاليد الخارجية وذلك يعود بطبيعة الحال إلى ضيق الوقت وكثرة اللقاءات والملفات المتزاحمة والمؤتمرات والسفر وغيرها من الانشغالات الدبلوماسية والبروتوكولية، وهذا الأمر (تخلي أوغلو عن الخارجية) ربما يكون كفيلاً بإعادة التوازن إلى السياسة التركية، توازن هي بأمس الحاجة إليها في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة.

ndash; صحافي بجريدة الراي الكويتية