قبل أكثر من شهر كتبت في موقع ايلاف مقالين، ركزت فيهما على حاجة العراق الى تفعيل الاتفاقية الاستراتيجية بين واشنطن وبغداد، وبينت الاسباب حينها، ولم تكن زيارة رئيس وزراء العراق نوري المالكي الاخيرة إلى واشنطن بعيدة عن هذا المسار، فقد اعلن في وقتها، بان العراق بحاجة ماسة الى تفعيل هذه الاتفاقية.
قبل اكثر من سنتين كتبت أيضا في ايلاف نفسها بان على المالكي ان يحسم امره بين واشنطن وطهران، وقلت بالحرف الواحد : (ان المالكي غير قادر على تطويع العاصمتين لا فكرا ولا اقتصادا ولا عسكرا، ولا يقدر على اجادة اللعب بين العاصمتين، فما عليه سوى ان يحزم امره بين هذا او ذاك، ليس بالمطلق بطبيعة الحال، ولكن بشكل رئيس ).
اليوم، والعراق يمر بحالة صعبة بل مصيرية، حيث ما زالت دول الجوار تستضعفه، وما زال الصراع على السلطة والقوة يزيد من تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي ، وما زالت المفايات الحكومية والحزبية والاسرية تسنتزف الاقتصاد العراقي، وما زالت مشاكل كبيرة عالقة بين المركز والاقليم، في خضم هذه الفوضى دخلَ في معركة مع إرهاب داعش وزميلاتها في المنقطة الغربية، معركة ليست كلامية، بل معركة حقيقية، حرب بكل معنى الكلمة، وهي كما يبدو معركة ليست سهلة، القوات المسلحة العراقية ومعها بعض عشائر الانبار والحكومة المحلية من جهة ،والقاعدة متمثلة بداعش وجحافلها وأنصارها من بعض العشائر من جهة اخرى .
محللون سياسيون وعسكريون يقولون بان حسم هذه المعركة ليس بالامر الهين، وربما تطول بشكل وآخر، واضعين نصب اعينهم ذات المنطقة الجغرافية التي تقع فيها الحرب حيث تتواصل مع سوريا والاردن والمملكة العربية السعودية بحدود طويلة ومعقدة أولا، ولان سكان هذه المنطقة من السنة، وربما السنة المتشددين ثانيا ، وتوفر امكانية انتشار داعش على خط دجلة باتجاه الشمال لما لها من قواعد متناثرة هناك ثالثا، ولان المنطقة صحراوية من الصعب مكوث القوات المسلحة فيها طويلا رابعا، والاصعب من كل ذلك الخوف من ان تنتقل الى حرب مدن خامسا، فضلا من ان بعض سنة العراق قد يتصورن ان استهداف داعش هو بالواقع استهدافهم سادسا.
الحكومة العراقية تصرح بصورة واخرى ان المعركة مع ( الارهاب ) تاخرت لانها لم تملك الاسلحة الكفيلة بمواجهة تحصنات داعش، او طريقة حركتهم،وربما الاوضاع الاقليمية لم تساعد على ذلك، نافية ان يكون ذلك لدوافع انتخابية، أو ان هناك فصائل سياسية وعشائرية في الغربية كانت وراء هذا الاعلان الفعلي لكسب مزيد من الاصوات، او لكلا السببين، فلما قررت واشنطن ان تمد الحكومة العراقية بالسلاح الكفيل بذلك، دخلت الحكومة العراقية بحرب فعلية مع داعش، ومن هذه الاسلحة طيارات بلا طيار، ومدافع تناسب طبيعة المعركة، فضلا عن الدعم المعنوي للحكومة العراقية، وتشير المعلومات ان أمريكا لم تكتف بالمساعدة العسكرية وحسب، بل اعلنت انها تزود العراق بخارطة التواجد ( الداعشي ) في الصحراء، وكانت تزود القوات المسلحة العراقية بمعلومات تستقيها من الاقمار الصناعية بخطط داعش واسرار تنقلاتها وسلاحها، وكان لاحد المسؤولين الامريكان تصريح خطير، حيث افصح عن وجود مئة عسكري امريكي في السفارة الامريكية في العراق على تواصل مستمرمع القوات المسلحة العراقية لامدادها بالمعلومات والمشورة.
وسواء كان هناك اتفاق امريكي روسي عراقي سعودي اردني ايراني على دخول العراق حربه مع داعش كما ترى بعض التحليلات ، او ليس هناك اتفاق بالمرة، او هناك اتفاقات متناثرة فإن ملاحظة ما سبق تبين ان الدور الاكثر حسما في هذه الحرب كان بسبب المعلومات والسلاح الامريكي، بطبيعة الحال هذا لا ينفي دور الجيش العراقي، ولا ينفي دور السلاح الروسي، ولكن الملاحظ والمستنتج من المعلومات المتوفرة بان لامريكا دورها الاكبر والاخطر في المعركة، ويستدرك هنا اصحاب هذا الراي ليؤكدوا ان الجيش العراقي لم يكن يجرا على الدخول الى الرمادي لولا مساندة بعض العشائر، وبالتالي، كيف يمكن له ان يدخل حربا مع (الارهاب) فيد الغربية وهو مجرد من السلاح الذي يمكنه من إدارة حربه مع داعش بنجاح واقتدار، وهذا من حقه بطبيعة الحال.
ان بعض المحللين يرون ان الحرب قد تطول، ومن هنا يتساءلون عما يمكن ان تقدمه الجمهورية الايرانية للعراق بحربه هذه؟ خاصة وان ما يجمع ايران والحكومة العراقية وكثير من مكونات العراق والشيعة على وجه الخصوص هو داعش وبقية الفصائل الاسلامية المتشددة؟
هؤلاء المحللون إنما يطرحون هذا السؤال لان ايران منهكة اقتصاديا، ومنشغلة في الطاحونة السورية، ومسؤولة عن دعم حزب الله في لبنان، ولها التزامات مالية كثيرة تجاه بعض الفصائل العراقية وربما الفلسطينية، وبالتالي، من الصعب ان تقدم ايران للعراق الكثير في هذه الحرب التي ربما تطول.
هذه الفجوة الكبيرة بين ما تقدمه واشنطن للعراق في حربه مع داعش وزميلاتها الى جانب هذا القليل الذي تقدمة ايران هل تترك اثارها بالمستقبل على علاقة بغداد بين كل من طهران وواشنطن، وهل ما تقدمه إدارة اوباما للعراق هنا بلا ثمن؟
لا ندري