يعتبر البعض ان كون معظم المنتمين الى جبهة النصرة، التي تحارب في سوريا ضد النظام السوري، سبق أن قاتل في العراق ضد الامريكان ابان احتلالهم له، فان هذا يعني ارتباطاً عضويا بين جبهة النصرة وتنظيم القاعدة بفرعه العراقي، وأن اعتراض أبو محمد الجولاني على إظهار هذه الصلة ما هو إلا تغطية لتلك العلاقة وخشية من تأثيرها على شعبية التنظيم المعروف بقوته على الأرض.
ومع انضمام أبو بكر البغدادي إلى الساحة السورية ومحاولته سرقة الأضواء من تنظيم جبهة النصرة رغم ولائهما إلى تنظيم القاعدة وزعيمه الظواهري، بدت الخلافات تظهر بين الفصيلين وتبلور في استقطاب المقاتلين الأجانب الذين اختار معظمهم الانضواء تحت لواء الدولة لااسلامية في العراق والشام (داعش) والانسحاب من جبهة النصرة الذي يغلب على عناصر الجنسية السورية، ما أثر على فاعلية الجبهة في معاركها على الارض.
الجولاني رأى وضعاً مختلفاً في سوريا عندما رجع من العراق. إذ بدا ميالاً في شكل متزايد لعدم الظهور بمظهر أنه quot;ممثل القاعدة في سورياquot;، ربما لمعرفته أن الغرب سيكون حذراً في تقديم دعم للثورة السورية إذا ما كانت القاعدة جزءاً منها. كما أن الجولاني وجبهة النصرة بديا أيضاً ميالين إلى عدم تنفير الناس منهم، ولا الاصطدام مع فصائل الثوار المختلفة، التي يراها الجهاديون غير إسلامية بشكل كاف. واعتبر الجولاني، كما يبدو، أن الوقت ليس وقت تنفير هذه الفصائل من خلال إثارة مواضيع خلافية دينية خشية أن يدفعها ذلك إلى أحضان النظام، فيتكرر quot;خطأquot; العراق عندما نفّر تنظيم quot;القاعدةquot; فصائل في المقاومة ودفعها الى تشكيل صحوات وجّهت إليها هي (القاعدة والدولة الاسلامية) ضربات مؤلمة بقدر ما وجهها الاميركيون أنفسهم.
ما كاد البغدادي يعلن تمدد دولته الإسلامية إلى الشام حتى سارع الجولاني إلى إعلانه رفضه بشريط صوتي مماثل أكد فيه أنه لا هو ولا قادة تنظيمه تم مشاورتهم مسبقاً على الحاق جبهة النصرة بالدولة الاسلامية في العراق. لكن الجولاني الذي أقر بـ quot;فضلquot; البغدادي عليه وبأنه حصل على مساعدات منه لعمل في سوريا، قال إن بيعته هي لزعيم تنظيم القاعدة في وزيرستان أيمن الظواهري وليس لفرع القاعدة في العراق ممثلاً بالبغدادي.
الآن وبعد ان شنت العديد من فصائل الثورة السورية حرباً ضروساً لطرد (داعش) من اماكن وجودها في شمال سوريا ولا سيما إدلب وحلب والرقة التي لم يقم النظام السوري باي محاولة لاستردادها رغم قصفه للعديد من الأماكن فيها من دون استهداف مواقع داعش، ومع انضمام الجبهة الاسلامية (المعتدلة) إلى حرب الجيش الحر مع داعش ونجاحهما في طردها من كثير من مواقعها رغم ما خلفته من مجازر وخفايا تكشفت بعد تركها لمواقعها... يبرز سؤال أساسي وخطير هو توقيت الهجوم على داعش والموقف الامريكي منه.
توقيت الهجوم على داعش يأتي قبيل انقعاد مؤتمر جنيف اثنين في محاولة لإضعاف النظام السوري في هذه المفاوضات في ظل اتهام الجميع لداعش بانها على صلة وثيقة بالنظام مع إفراجه عن العديد من قياداتها وعناصرها، أو على الاقل تقوية موقف المعارضة السورية المسلحة.
اما الموقف الامريكي مما يحدث على الأرض في سوريا وكذلك في العراق، بخصوص الحملة على داعش في كلا البلدين وكذلك موقفها في دعم المعارضة السورية في حرب داعش والنظام العراقي في محاربة داعش العراقية، فإنه يثير المزيد من التساؤلات.
البعض قد يبرر ذلك التأييد العلني بأنه موقف quot;مبدئيquot; إن جاز لنا التعبير إزاء محاربة التطرف والإرهاب الدولي أينما وجد، وهو تبرير قد يكون مقنعاً للوهلة الأولى، لكنه غير كاف لتبرير وتفسير الموقف الأمريكي الذي ينقاد وراء مصالحه وفق معلومات محددة ومسبقة. الموقف الامريكي المثير للاستغراب بدعم نظام في بلد (العراق) والمعارضة في بلد مجاور له (سوريا) لمحاربة داعش يكمن في معرفة الولايات المتحدة لهوية داعش واختلافها في كل من البلدين!!
ففي العراق، تدرك الولايات المتحدة أن داعش العراقية هي فصيل منتم الى تنظيم القاعدة، وبالتالي فإن مساندتها المالكي في حربه ضدها، هو بمثابة حرب على الإرهاب هناك، واضعاف للقاعدة في العراق وما حوله.
اما في سوريا، فإن الولايات المتحدة تدرك أن تنظيم داعش السوري، ما هو الا فرع من فروع المخابرات السورية التابعة للنظام، وان اكثر من 70 بالمئة من عناصر ممن يسمون بالأنصار وهم من السوريين هم عناصر سابقة أو حالية في المخابرات السورية، تم الافراج عنهم لترهيب الغرب من الثورة السورية والتردد في نصرتها.
بينما يشكل المهاجرون (المقاتلون الاجانب) نسبة ضئيلة مغرر بهم من التنظيم، وبالتالي فان وقوف الولايات المتحدة مع الحرب على داعش السورية هو وقوف ضد النظام السوري الذي سبق ان عرض عليها التحالف لمحاربة داعش والارهاب في المنطقة، فردت عليه بكشف هوية التنظيم وان اكثر من 70 بالمئة من عناصره هم من المخابرات السورية!!

هشام منور... كاتب وباحث