هل يُعقل أن تتغابى الولايات المتحدة إلى الحد الذي تتناسى فيه ما أعلنته بالأمس، وما تعهدت به أو هددت بفعله، حتى تخرج علينا بعد الهجوم الصاروخي الرابع هذا العام على مخيم ليبرتي بتنديد إنشائي مثير للسخرية، أصبحت حتى الدول الهامشية تتحاشى استخدام مفرداته لرفع العتب، قائلة في بيان لمصدر في وزارة الخارجية أنها تدين هذا الهجوم quot; بأقوى العبارات quot;!. وليس هذا فحسب، بل تحثّ الحكومة العراقية التي يُفترض أن أجهزتها أو ميليشياتها وراءه على اتخاذ خطوات إضافية لحماية هذا المعسكر من التعرض لمزيد من العنف والإمساك بالجناة ومحاسبتهم على هذا الهجوم.

نفهم أن تقف الولايات المتحدة مع حكومة الإحتلالين الإيراني الأميركي فيما يتعلق بما تقترفه ضد شعبها ومناضليه، وفي مقدمتهم مناضلو quot; النظام الدكتاتوريquot; الذين وقفوا وما زالوا في وجه ممارسات كل الإدارات الأميركية السابقة. ولكن تساؤلنا عن هذا التغابي يعود إلى أن أي متتبع يمكنه إدراكه وتحديد إطاره في هذه النقاط التالية :

أولا لم ينس أحد بعد تهديد الولايات المتحدة ذاتها لحكومة المالكي قبل حوالي ثلاثة شهور بعدم تقديم المساعدات لها، وعدم بيعها الأسلحة والعتاد، إذا أعادت كَرّة الإعتداء أو الهجوم على ليبرتي كما فعلت مع أشرف، ومع ذلك أعادت هذه الكَرّة مرة أخرى بإصرار وتوقيت مقصودين، فور إعلان الولايات المتحدة عن شروعها بتقديم المساعدة وبيع الأسلحة والمعدات ونفّذت جريمة جديدة أودت بحياة ثلاثة مجاهدين، وأوقعت حوالي خمسين مصابا.

ثانيا إن توقيت هذا الهجوم الذي أتى بعد ساعات من الإعلان الأميركي الرسمي عن أن الولايات المتحدة ستسلّم العراق عشرات الصواريخ وطائرات المراقبة دون طيار، قد جاء في نصه على أن هدف هذه العملية المساعدة في مطاردة وقتال تنظيم القاعدة، وقد حددت صحيفة نيويورك تايمز الكمية المسلّمة بخمسة وسبعين صاروخا من نوع quot;هيلفايرquot;، وعشر طائرات استطلاع من نوع quot;سكاي إيغلquot;، كما حددت هدفها بملاحقة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وابلغتنا أنها رصدت مواقع لشبكة القاعدة أيضا ( وهي اللازمة المستعملة عادة للتغطية على أي تصرف أميركي أهوج )!

ثالثا الولايات المتحدة أكثر العارفين بطبيعة نظام المالكي الذي يحاول تقمّص أسلوب المرشد الأعلى في سيطرته على كل السلطات، وهي على علم بتفاصيل عملية احتكاره لمسؤولية سائر الأجهزة، فهو رئيس الوزراء وعمليا النواب والعسكر والمخابرات وفيالق القتل كبدر وقوات القدس.. الخ. ومع ذلك فإنها بدلا من أن توعز له بجلب زلمته الذي نفّذ عملية الهجوم، وهو معروف بالإسم، اكتفت بحثّه لا أكثر على البحث عن الجناة ومحاسبتهم.

رابعا كان لافتا في كل ما أعلنته الولايات المتحدة رسميا عن هذا الهجوم الإجرامي الجديد تجاهل ذكر الجهة الإرهابية العراقية التي أعلنت مسؤوليتها عن هذا الهجوم مع أنها معروفة ولها أسبقيات في هذا المضمار، وهي quot;ميليشيا جيش المختارquot; التي يديرها الإرهابي واثق البطاط،،والذي كان في السابق مسؤولا عن ميليشيا حزب الله العراقي. وهو بالمناسبة الذي أبلغ وكالة رويترز للأنباء أن جماعته quot;هي التي أطلقت عشرين صاروخا من نوع كاتيوشا وعددا من قذائف المورتر على معسكر ليبرتيquot;. فكيف يتغابى الأميركان عن هذه الحقائق الساطعة التي أصبحت في صدارة أخبار مختلف وسائل الإعلام، والشيء نفسه يُقال عن منظمة بن كي مون للأمم غير المتحدة، شاهدة الزور وفاقدة الإرادة التي اكتفت ببضع كلمات عمومية تنديدا بالجريمة.

وللعلم، يُشاع من قبل أجهزة المالكي أن هذا البطاط مُلاحَق ومطلوب للعدالة على عدة عمليات إجرامية أخرى، غير أنه حرّ لم يحاسبه أحد، وهو يُشاهد هنا وهناك، ذلك لأنه بكل بساطة يُنفذ قرار quot;المختارquot; وهي كُنية المالكي عند أزلامه الذي أعلن رسميا قبل سنين أن العراق ليس خيارا لبقاء منظمة خلق الإيرانية المعارضة على أرضه، ومن الواجب إخراجها منه، وقد أكد يومها علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية نظام الملالي ومستشار مرشد الثورة إصرار المسؤولين العراقيين على ذلك في ضوء محادثاته معهم. لكن أمر إخراجهم بالقوة أو بغيرها ليس سهلا. فقديما حدّد لهم المدعو عبد العزيز الحكيم عندما كان رئيسا ملجلس الحكم مهلة ثلاثة أسابيع لمغادرة العراق، لكن تحديده هذا أو تهديده قوبل بالسخرية.

لا ريب أن الولايات المتحدة التي غزت العراق واحتلته ثم سلّمته لنظام الملالي، هي الملتزمة قانونا بتأمين سلامة المجاهدين وفقا للإتفاق المبرم معهم، كما أنها ملزمة بالعمل على توفير الملجأ الآمن لهم، كما تعهدت بذلك منذ سنين دون أن تنفذ شيئا مما تعهدت به. ومع ذلك تغطّي على هذه الحقيقة بحثّ حكومة المالكي على اتخاذ إجراءات أمنية quot;إضافيةquot; ( وكأن هناك إجراءات غير إضافية أصلا ) لحماية سكان ليبرتي، ولا تتوقف عند ذلك، بل تشرح له كيف يكون ذلك عن طريق إنشاء المخابىء تحت الأرض والجدران الكونكريتية، لحمايتهم من هجمات أخرى مماثلة.

أي باختصار، هذه quot;الدولة الأعظمquot; تتوقع بقاء الحال على حاله، ولا تستبعد سلفا ما سيجري في الغد.. إنها أميركا !

*کاتب فلسطيني.