تناولت في المقال السابق بشكل موجز أسرار الخلطة السحرية لنجاح بعض الدول في رفع تصنيف تعليمها الاساسي.

من المستحيل أن يتم تأسيس مجتمع مستقر ينعم باقتصاد مميز دون وجود حد أدنى من إلمام مواطني هذا المجتمع بالقراءة والكتابة والمعرفة، حيث إن التعليم يسهم في رفاهية المجتمع ككل. فنحن لدينا في العالم العربي حوالي 98 مليون أمي لا يستطيعون القراءة والكتابة، وتشكل النساء نسبة 60% منهم، من حوالي 335 مليون نسمة هم عدد سكان العالم العربي. بمعنى أن ثلث سكان العالم العربي تقريبا لا يعرفون القراءة والكتابة.

وأعتقد أنه من العدل تقسيم العالم العربي إلى تلاثة أقسام:-

أولا: دول مستقرة سياسياً ومتقدمة اقتصادياً:

وتضم هذه المجموعة دول الخليج، حيث تتفوق دولة الإمارات العربية المتحدة في معظم التصنيفات الدولية الخاصة بالتعليم وغيرها من البيانات الاقتصادية المهمة على جميع الدول العربية. وقد أطلق سمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم - نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء - حاكم دبي أكبر عملية عصف ذهني في المنطقه لتطوير التعليم والصحة، وقد وضع مجلس الوزراء الإماراتي بعدها خطة لتطوير التعليم، لذا فإن الإمارات سوف يتغير بشكل كبير وضع التعليم فيها لأن سمو الشيخ محمد بن راشد عندما يقرر شىء فإنه يفعله، وحيث إن جميع دول الخليج عدد سكانها قليل نسبياً ( باستثناء المملكة العربية السعودية ) ولديها الأموال والقيادة صاحبة الرؤية والإرادة، فإن هذه المنطقة قادرة على إيجاد تعليم أساسي قوي يسهم في بناء الإنسان الخليجي على النحو المأمول.

ثانيا: دول تعانى من معدلات فقر مرتفعة، وتواجه تحديات كثيرة، إلا أنها تنعم باستقرارنسبي:

العراق، الجزائر، مصر، تونس، المغرب، الأردن، لبنان.

ثالثا: دول تعانى من معدلات فقر مرتفعة، ولديها مشكلات حقيقية في الاقتصاد والاستقرار والأمن :

سوريا، اليمن، الصومال، السودان، جيبوتي، جزر القمر

* أما ليبيا فأضعها في مكان خاص بها، فهي دولة عدد سكانها قليل نسبياً، ولديها ثروة نفطية، لكنها تفتقر للاستقرار الاقتصادي والأمني، وأمامها شوط للوصول لبناء مؤسسات دولة.

وكل مجموعة ndash; حسب التصنيف السابق - سوف تختلف طريقة إدارتها لهذه القضية تماما عن طريقة إدارة المجموعات الأخرى.

فالمجموعة الأولى التى تضم دول الخليج لن أتحدث عنها، لأنها في رأيي تسير في الطريق الصحيح، أو لديها القدرة على إيجاد أفضل الطرق والاستفادة من تجارب الغير بشكل ممتاز، والاستعانة بأفضل الشركات الاستشارية بسهولة. فهذه الدول أدركت أن رفع مستوى التعليم الأساسي والثانوي وحتى الجامعي أو المهني أحد الركائز الأساسية لرفع مستواها اقتصاديا واجتماعيا، لأن الاستثمار في الإنسان هو أهم أنواع الاستثمار، وقد قامت هذه الدول بالفعل بتوظيف استثمارات هائلة في تطوير وبناء وتعليم الإنسان الخليجي.

أما الدول التي لديها بعض الاستقرار وتريد أن تنهض بشعوبها، فهناك الكثير من النقاط التي يجب أن يتم إيجاد حل لها: فهناك قضية تكافؤ الفرص بين سكان البلد في الحصول على تعليم متميز، هل القادر على الدفع فقط هو من يستطيع أن يرسل أبناءه للحصول على تعليم متميز في المدارس الخاصة بينما لا يجد أبناء باقي الشعب فرص تعليم جيدة أو مدارس جيدة؟

ففى هذه الدول أصبح التعليم الحكومي عبارة عن مكان لقضاء وقت فقط للطلاب، حيث تتم عمليات الغش الجماعي في امتحانات نهايةالفصل الدراسي، والنتيجة هى ارتفاع نسبة التسرب لكثير من الطلبة وانخراطهم في منظمات إرهابية، حيث فقدت المدرسة أسباب وجودها. أما أبناء النخبة فهم من يتلقون التعليم الجيد، وبعدها يحصلون على الوظائف الجيدة، مما يؤدى لوجود طبقة إجتماعية بعيدة كل البعد عن باقي طبقات المجتمع.

من وجهة نظري، يجب أن تدخل الحكومة في شراكة مع القطاع الخاص بهدف تطوير التعليم الأساسي، حيث تقوم الحكومة بإنشاء هيئة تعليمية حكومية مهمتها وضع شروط إنشاء المدارس ورقابتها وتقييمها سنوياً ووضع الامتحانات ومنح رخصة مزاولة المهنة للمدرسين.

وتقوم الحكومة بتسليم المدارس التي لديها للقطاع الخاص لإدارتها برسوم تمكن أبناء الطبقة المتوسطة من تعليم أبنائهم فيها مقابل أن تلغي الحكومة الضرائب على هذه المدارس، وإعطاء إمتيازات للقطاع الخاص لتشجيعه على بناء المدارس كتقديم الأرض مجاناً. هذه المدارس تكون قطاع مشترك و هذه المدارس المشتركة يجب أن تتنافس فيما بينها لتقديم أفضل الخدمات التعليمية، وتقوم الدولة بتحديد الرسوم الدراسية التي يتم فرضها على الطلاب.

هناك من سيقول: ماذا عن المعدمين أو الغير قادرين على دفع مصاريف أبنائهم لهذه المدارس، حيث نسبة الفقر عالية في المجتمع ؟

الإجابة: تتعامل الدولة معهم بإيجاد طريقة مختلفة، وهي تسليمهم قسائم، لكل ابن قسيمة، يحدد فيها ولي الأمر المدرسه التي يريد أن يرسل ابنه إليها، ويعطي له هذه القسيمة حيث تقوم المدرسة باستلام قيمتها من الحكومة وبهذا ستوفر الحكومة الكثير من الميزانية التي تضعها في التعليم وتضيع ضمن البيروقراطية والفساد المالي والإداري.

وسوف تتنافس هذه المدارس لتقديم خدمات تعليمية أفضل وستقوم الحكومة برقابتها وتقييمها سنوياً، وتجبر هذه الهيئة التعليمية جميع المدارس الخاصة و المشتركة بأن ينجح طلبتها في امتحانات خاصة ذات مقاييس محددة ومتعارف عليها، مثل: امتحان التويفل الخاص باللغة الانجليزية، امتحان الكفاءة للغة العربية، امتحان خاص بالرياضيات والعلوم وعلم الاجتماع. وهنا سوف تتنافس جميع المدارس للحصول على أعلى النتائج لأن ذلك سينعكس بالتاكيد على تصنيفها السنوي.

ويجب التركيز على أن تكرس هذه المدارس أموالها ليس في بناء مدارس فخمة أو شراء حافلات مميزة، لكن في إيجاد قاعات دراسية متصلة بالإنترنت والتكنولوجيا الحديثة. حيث يمكن أن تستخدم الانترنت لتعليم طلابها عن طريق مواقع مجانية تشرح أصعب مواد الرياضيات والعلوم بشكل سهل وسلس ويتعلم الطالب بنفسه تحت إشراف المعلم.

وبهذا تستطيع الحكومة أن تضمن تعليم أفضل، وفرص تعليم شبه متساوية لجميع مواطنيها وتقوم هي بالرقابة والتقييم، وهذا سيمكنها من أن تركز على محو أمية باقي الشعب في فترة وجيزة.

ماجستير ادارة اعمال ndash; جامعة نيوبرونزيوك الكندية [email protected]

دبي