من الصعب جدا انصاف شاكر النابلسي من خلال مقال او عدة مقالات.

لم التق بالمرحوم شخصيا رغم اني زرت مدينة دينفر في ولاية كولارادو في خريف 2001 ومكثت عدة ايام في المدينة التي يقيم فيها لأنني لم أعرفه حينها ووعدته في احد المكالمات الهاتفية عام 2010 ان ازوره اذا جاءت مناسبة .

وتعرفت عليه من خلال مقالاته الجريئة والاستفزازية في ايلاف منبره الأول والمفضل والتي اثارت سخط البعض واعجاب البعض الآخر.

في الفترة 2005 - 2010 كنت اقدم برنامجا على احد الفضائيات في لندن على الهواء مباشرة 3 او 4 مرات اسبوعيا في مواضيع سياسية واقتصادية ومواضيع أخرى تتعلق بالاصلاح والدمقرطةوحقوق الانسان والدكتاتورية الدينيةوالارهاب وقضايا الاقباط والأكراد وغيرها من المواضيع. وكان شاكر النابلسي مشاركا منتظما. نظرا لاقامة شاكر النابلسي في مدينة دينفر في ولاية كولارادو الأميركية ولتقليل المصاريف كنا نستضيفه بواسطة الهاتف ونضع صورته مع منظر من كولارادو على الشاشة وكان يشارك في النقاش آخرون ورغم عدم تواجده في الاستوديو كان له حضور مميز لقوة آرائه وقناعاته وتسمية الأمور باسماءها الحقيقية. وكان داعما قويا لقضايا الأكراد والاقباط وكل الشعوب المظلومة في المنطقة العربية كما انه كان متعاطفا مع الأقليات والفئات التي ظلمت على أيدي الدكتاتوريات الاسلامية.

وشارك معنا عشرات المرات على مدى اكثر من خمس سنوات. وكانت مساهماته مفيدة وتستند على حقائق ودلائل. ومن يستمع اليه يعرف انه امام رجل يؤمن بالحرية والديمقراطية وحرية العبادة والعدالة ويرفض الاستبداد الديني والعنف والارهاب. وكان ناقدا شديدا للأنظمة الدكتاتورية الفاسدة.

وأذكر اتصال هاتفي منه في بداية عام 2010 لأنه مضت فترة عدة أسابيع لم نتصل به للمشاركة لاسباب تتعلق بأجندات أصحاب القناة الفضائية وكنت في محطة قطارات في لندن واستفسر عن عدم الاتصال حيث كان يظن اني مريض او تركت العمل وطمأنته ان كل شيء على ما يرام.

جرأته في معالجة المواضيع الجدلية جلبت له الكثير من المشاكل والاعداء. كان ليبراليا علمانيا بامتياز وطالب بفصل الدين عن السياسية واوضح مواقفه في كتابه الفكر العربي في القرن العشرين حيث يتوقع أن يستمر الصراع بين الأطراف طيلة القرن الحادي والعشرين بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة العلمانية وطالب باستبدال المحاكم الشرعية بمحاكم مدنية وطالب بالغاء العقوبات مثل قطع الرؤوس والجلد والرجم.

وقف أيضا ضد ادكتاتوريات العلمانية ووقف ضد ارهاب القاعدة في العراق اثناء الاحتلال الأميركيوهاجم بشدة فقهاء الدم والفتاوي التي تشجع الانتحاريين في العراق.

ورحيله سيترك فراغا كبيراعلى الساحتين الثقافية والسياسية وعزائنا انه ترك ارثا كبيرا من الأفكار الليبرالية والثقافية والحداثة والاصلاح وفصل الدين عن السياسة وكانت ايلاف منبره الأول والمفضل وترك عشرات المؤلفاتوالمقالات التنويرية.

رحم الله المفكر العربي شاكر النابلسي ونرجو لذويه الصبر والسلوان.


لندن