لعل المتابع و القارئ لمفرزات ما كانت تسمى بالثورة السورية من حيث ظهور قوى جديدة في غمارها و بالذات العسكرية منها و ما أثرت و بشكل سلبي يفوق التصور على مجرى تلك الثورة حتى كادت تفشل لا بل فشلت عملياً بعد أن تجردت الثورة من القيم التي قامت من أجلها من الحرية و الديمقراطية و الكرامة.
إن أكثر القوى ظهوراً كانت القوى الاسلامية الراديكالية السلفية حيث امتدت هذه القوى كجبهة النصرة quot; النصرة quot; و الدولة الاسلامية في العراق و الشام quot; داعش quot; و كتائب أخرى غير بعيدة عن المنبت الآيديولوجي لـ quot; النصرة و داعش quot; فضلاً عن اندثار معظم طتائب الجيش الحر أو التحاقها بكتائب سلفية أخرى، لقد كان لدعم الدولة التركية المتمثلة في حكومتها الاسلامية و كل من قطر و السعودية دوراً في ظهور هذه القوى لما قدمن هذه الدول الملايين من الدولارات لهذه التنظيمات، و في المقابل شكل ظهور القوة الكوردية المتمثلة بوحدات حماية الشعب و بسرعة قياسية و بالقوة التي لم يتوقعها الكثيرون و امتدادها جماهيرياً في المجتمع الكوردي الذي يبلغ قرابة 4 ملايين كوردي دورا في و بشكل كبير على ما يبدو لإعادة النظر من قبل تلك القوى و داعميها و نظراً لتخوفها و عدائها التاريخي للقومية الكوردية و الشعب الكوردي في الثورة السورية و ما يمكن أن ينتج عنها من حل للقضية الكوردية في سورية تلك القضية التي تعاني منها تركيا منذ عقود و تتنكر لحقوقها و اعطت عشرات الالاف من القتلى في حربها مع حزب العمال الكوردستاني.
و قد حاولت تركيا بالتنسيق مع السعودية و قطر و موافقة ضمنية أمريكية الكثير من المرات محاولة تأسيس خلخلة في الحالة الوطنية السورية عبر اتهام الكورد القوة البشرية الثانية في النسيج السوري بالتعامل مع النظام و الانفصال و..و لتكون هناك الكثير من الحروب التي شنتها تلك الكتائب السلفية التابعة لتنظيم القاعدة على الشعب الكوردي و محاولة السيطرة على مدنه و قراه لإقامة إمارة إسلامية في تلك المناطق، و سرعان ما اختلطت الاوراق و عكست النتائج المتوقعة في المخططات المرسومة و خاصة تلك المتعلقة بمستقبل هذه القوى السلفية المرتبطة بالقاعدة و كان محاربة الشعب الكوردي هو الحد الوحيد الذي يجمع بين الكل حتى وصل الامر حتى بالنسبة للانسان العادي إلى فهم هذه المعادلة، لذلك كان من الصعب لدى الكورد و غيرهم من السوريين أن يصدقوا أن الهجمات التي تتم الأن على داعش هو قرار غربي وروسي مدروس بغية التخلص من المتطرفين حسب رأيهم و هي ليست وليدة صدفة.
وإن تمركز هذه الهجمات للجيش الحر و التي تحمل نفس الايديولوجية السلفية أو القريبة منها و التي تؤيدها الائتلاف على داعش فقط في حلب وريفها وادلب وريفها يدفع الانسان الى التفكير بالاسباب، ليبدو أن هناك اسباب خفية و سيناريوهات آخرى قد تشكل خطراً على غربي كردستان و شعبها سيما و أن أكراد آخرين مهزوزين يقفون مع الائتلاف.
الهجمات على داعش كانت أشدها في حلب و ادلب و جنيف 2 أيام و سيعقد و بالمتابعة البسيطة يظهر أن الهجوم على النظام قد قل مقابل الهجوم على داعش و الغاية طبعاً من هذه العملية هي
- أولاً كما يبدو ايصال رسالة من الاخوان المسلمين الذين يسيطرون على الائتلاف إلى الغرب فحواه أن المعارضة لا تقبل بتنظيم القاعدة و بالتالي تقوية المعارضة السياسية المتمثلة الان في الائتلاف التي فقدت أية قوة جماهيرية أو عسكرية
- ثانياً و هو الهدف غير المعلن و هو الاتفاق على محاربة الكورد و حقهم في المشروع الوطني و القومي في إطار الوطن السوري و العودة بقضيتهم إلى المربع الاول من القمع و الاضطهاد و هي خطة يتفق النظام مع الائتلاف.
- توحيد الكتائب المسلحة التي تقاتل داعش في تلك المنطقة و اجبارها على التوجه نحو المنطقة الأكثر خطورة كما يصفونها و يتفقون فيما بينهم على ذلك حتى مع النظام طبعاً هي غربي كوردستان أو سوريا الشمالية كما يسمونها.
هذا ما تشير إليه معطيات الخطاب النظري و الميداني لهذه القوى المعادية للشعب الكوردي، ففي الوقت الذي قامت داعش وأربع كتائب مسلحة في الحسكة بإصدار بيان يعلنون فيه بأنهم لن يوقفوا الحرب على الـ ب ي د يصرح السيد عبد الباسط سيدا: بأن معارك تل حميس التي قامت بها وحدات حماية الشعب على داعش تدخل في خدمة النظامquot;، و هنا التناقض الحقيقي فكيف أن هجمات وحدات حماية الشعب على داعش في تل حميس تخدم النظام...؟؟؟ بالمقابل اشتباكات وهجمات كتائب محسوبة على الجيش الحر ضد داعش هي في خدمة الثورة...!!!! و السؤال هنا ما هي مقاييس السيد سيدا في أن يمنح وسام الثورة لذاك و يسحب من الآخر و الاثنان يقومان بنفس الفعل.
حملة تل حميس وتل براك التي قامت بها وحدات حماية الشعب هي ضربة استباقية تطهيرية حسب كل البيانات و التصريحات التي نشرتها المكتب الاعلامي لوحدات حماية الشعب، إذ أن المجموعات المرتزقة المتمركزة في تلك المنطقة كانت في حالة تحضير قوي لشن هجمات على مدينة قامشلو وأن تلك المجموعات المرتزقة التي كانت متحصنة في تل حميس و تشير الوقائع أنه ليست داعش فقط كانت هناك بل أيضاً كتائب للجيش السوري الحر بعض الكتائب الكردية واهمها لواء مشعل تمو وكتيبة أزادي التابعتين للاتحاد السياسي الحزب الديمقراطي الكردستاني ndash; سوريا كما اوضح المجلس العسكري نفسه مشاركته الحرب على الشعب الكوردي في بيان رسمي نشره النقيب بيوار مصكفى، فضلاً على كتائب أخرى كانت تتأهب للهجوم على قامشلو وبدعم اعلامي من بعض قنوات اقليم جنوب كردستان وبعض أحزاب المجلس الوطني الكردي والائتلاف الوطني السوري سياسياً ودبلوماسياً، حيث دعم هؤلاء كان واضحاً لكتائب داعش و المتعاونين معها عبر البيانات و التصريحات الواضحة التي وصفت تلك الكتائب السلفية بالثوار في الوقت التي كانت تصفها في حلب و ادلب بالارهابيين و صنيعة النظام و كان تصريح بشار أمين عضو المكتب السياسي لحزب آزادي لموقع آدار برس انهم مع بيان ائتلاف التي وصفت فيه الـ ب ي د بالعميل للنظام آخرها.
ولكن يبدو أن كافة رهاناتهم ذهبت ادراج الريح في معارك وحدات حماية الشعب على تل حميس وتل براك. وهذا ما ازعجهم جميعا وراحوا يطقلوا التصريحات هنا وهناك وحتى ان ريبوار مصطفى هنأ الاخوة في لواء مشعل التمو في حربهم بجانب اخوتهم من داعش والنصرة في تل حميس ليشهد شاهد من اهلهم على مشاركة الاتحاد السياسي المتمثل بكتائبهم العسكرية من لواء مشعل تمو وآزادي وبعض الكرد من حلبجة والسليمانية وهولير.
إن الحروب الدائرة بين بعض الكتائب التي لا تختلف كثيراً في توجهاتها الفكرية و العقائدية هي تمثيلية لتجميع ما تبقى من قوات داعش و بعض العصابات الاخرى في منطقة الجزيرة و بالفعل فقد تبين في الايام الاخيرة أن هناك أعداداً من تلك الكتائب تركت مواقعها في حلب و ادلب و توجهت إلى منطقة الجزيرة و منهم من دخل إلى تركية من جهة تل ابيض وجرابلس واعزاز حيث تفيد التقارير الاعلامية أن تركيا تقوم بتجميعهم في منطقة اورفة كي تستقدمهم إلى منطقة الجزيرة بعد الانتهاء منهم في حلب و ادلب. فالمعلومات المتوفرة الان تؤكد ان الحكومة التركية تقوم بانشاء معسكر للاجئين في منطقة نصيبين ويتكون تقريبا من 3000 خيمة و هو المخيم الذي قالت عنه مصادر اعلامية أنه يجهز للاجيئين الكورد الذين سيتوجهون إلى هناك في حال مهاجمة الكتائب السلفية الارهابية على روج افا.
أي أن هذا السيناريو يشترك فيه كلا من سوريا وتركيا والجيش الحر و حكومة الاقليم وبدعم امريكي وصمت روسي يهدف الى تحجيم او اضعاف كل من يقف بوجه مخططاتها. و ما اصرار حكومة الاقليم على انضمام المجلس الوطني الكردي الى الائتلاف ما هو إلا للتحضير لما يخططون لتلك المرحلة المقبلة. ان فتح معبر سيمالكا ربما واقول ربما سيكون ثانيةً لتشجيع الهجرة نحو الجنوب بعد البدء بحملة اعلامية كبيرة من قِبل quot;روداو وزاغروسquot; وترهيب الشعب بأن داعش سوف تهجم على روج افا وحينها سينزح الشعب كموجة ثانية نحو الجنوب.
دعم تركيا لداعش والكتائب المدعية للاسلام والكتائب الكردية التابعة للاتحاد السياسي منذ بداية الثورة من كافة النواحي وتأمين عبورهم من وإلى سوريا وزجهم في محاربة الكرد منذ فترة طويلة وتصريح داوود اوغلو إن داعش والـ ب ي د خطر على تركيا وسيادة سوريا له مدلول واضح ان الجميع متفق على هذا الامر أي الاخوة الاعداء الفرقاء اتفقوا على محاربة كل من لا ينصت وينفذ مخططاتهم ان كانت امريكا او روسيا ومن يلف حولهم.
تسمية داعش في حلب وادلب بالارهابيين والجزارين وتصفيتهم ووصفهم بالثوار والجيش الحر في منطقة الجزيرة له مدلولات أبعد من التصريحات الاعلامية التي تقوم بها بعض الاطراف في اضعاف داعش. فان داعش الان باتت مشكلة عويصة على النظام السوري وتركيا وحكومة الاقليم وامريكا وايران وحكومة المالكي. الكل له يد في صنع داعش ولكنهم الان الكل متفق على محاربتها هذا الطفل العاق.
أي ان تلك الهجمات على داعش ربما سيكون السيناريو القادم على روج افا والنيل من ارادة الشعب الكوردي و هذا ما سيكلف أمريكا و أوربة الكثير و الكثير من قيمها الاخلاقية مقابل مصالح اقتصادية زائلة و ستلاقي معارضة شديدة من شعوبها أو ربما تتعرض مصالحها لتهديدات ليس في سورية فقط بل في الكثير من دول العالم لان ذلك سيكون يمثابة اجرام ترتكبه الدول الغربية و أمريكا بحق شعب لا يطالب سوى بحقه في الحياة.