أصبح من الصعوبة في عهد الأنتهازية رؤية الجانب المشرق المضيئ لِما يُقدمه سياسيو اليوم وقادة المجتمع ووعودهم للعراق الديمقراطي.

بداية،معارضو حزب البعث وسلطة الحاكم الواحد التي حكمت لخمسة عقود 1963 الى 2003، وما تلاها، لهم حماقاتهم وغباءهم الفطري عندما يتحاورون بمليشيات السلاح المذهبية والتهديد بالعشائر بجمع فئاتها مؤقتاً تحت رايات متناقضة العقيدة والميول والجنوح الى العنف المجتمعي والتخريب، الى حين تصادمها وصراعها مع نفسها على النفوذ والسلطة بعد ألأنتهاء من قتال جيشها النظامي وشرذمة هيكله وقادته.

ألتقيتُ قبل وبعد سنة 2003 بالكثير من معارضي صدام في مدن عربية وأوروبية وأمريكية مختلفة، منهم من أنتقل الى رحمة الله، ومنهم من ترك العمل السياسي ليأسهم من أصلاح العمل بألتألف الوطني وبمسيرة واضحة الملامح والخطوات نحو الديمقراطية الدستورية، ومنهم من أتمنى لهم الشفاء من أمراض وأفكار بعض شيوخ المذاهب الدينية السياسية الذين لايسمعون أِلا أنفسهم، وتحوّل بعضهم الفجائي بكلمات فضفاضة، الى العلمانية مع بقاء تأييدهم لقادة الأرهاب الديني السياسي ومن ألتجأ أليه وأتخذ منه وظيفة.

سياسة ( مليشيات حمل السلاح وأرهابها اليومي) هي الظاهرة المتوارثة التي تتحدى يها فئات العصيان، سلطة الدولة ونظمها ووظيفتها وأشغالها بهم وبتهديداتهم، وهاهنا تبرز حالة السيد طارق الهاشمي وخيبة أملي في أنضمامه الصريح المبطن بطريقته الخاصة.

محاولات نائب رئيس الجمهورية العراقية السابق طارق الهاشمي للرجوع الى السلطة تبدو كفلم سينمائي مثير. فهو المتهم بالأرهاب باعترافات حماياته ورفاقه وهو المقيم الحالي في ضيافة تركيا الدولة quot;العلمانيةquot; بعد مذكرة التوقيف الصادرة عن القضاء والتي عجلتْ من عملية هروبه وتهريبه من العراق.

فقد كشف مؤخراً و رغم كل المأسي التي أدمت وسحقت حضارة شعب العراق نتيجة تجييش المشاعر الدينية، ومحى بأفكاره الذاتية الطوعية، كل مساعي المؤسسات والهيئات الأنسانية لوقف دمار الأرهاب والتدمير، عن حقيقة نواياه وتشكيل جناح تخريبي سري مسلح يضم تحت جناحه الأئتلاف العثماني وجهاديي الأسلام السياسي ومسلحي المجموعات العاملة في العراق.

مشكلة الهاشمي الرئيسية (وكم كنتُ أتمنى رؤية تبرئته من تهمة الأرهاب ) أنه لايستطيع أغلاق فمه قبل وقوعه في إدانة نفسه من جديد بارتباطه الروحي الطوعي بمقرات زمر التطرف، و بمناوراته الأسلامية التخريبية الفاشلة التي لفضها حتى أقرب المقربين أليه في الحزب الأسلامي الذي كان يرأسه، وأبتعد عن تبرئته الطالباني رئيس الجمهورية وأعضاء من القائمة العراقية ومتحدون والعديد من نواب العراق من العرب والأكراد، بالأضافة الى حذر وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن من التعامل مع محاولاته المتكررة في سعيه لضم فئات سياسية تقع على لائحة الأرهاب وأدعاءه أن في أستطاعته وقف النفوذ الأيراني وأِقامة نظام سياسي مستقر مشابه لدول الخليج والأردن والمغرب.

الذي لايفهمه الكثيرون عن الهاشمي وأمثاله هو أنضمامه المبكر الى العمل السياسي في حلقات عهد البعث الصدامي العشائري المعروف وأفول نجمه في الوصول الى حلقة صدام والفوز بمنصب في وزرة الدفاع quot; كونه من الأسرة الهاشميةquot; التي لايفضل صدام تقريبها لأشغال مناصب حساسة، كما أن مفهومه بعد تسنمه منصب نائب رئيس الجمهورية العراقية، في نوعية أقامة الدولة الديمقراطية التي تحمل الوجهتين العلمانية الدينية (أمر شكك بنوياه الكثيرون)، لكون الهاشمي النموذج الفريد للحزب الأسلامي المتطرف في العراق والرأس المدبر لدولة العشائر وأحقية مذهب على مذهب.

ونظراً لأفول نجمه في الوصول الى حلقة صدام والفوز بمنصب في وزرة الدفاع quot; كونه من الأسرة الهاشميةquot; التي لايفضل صدام تقريبها لأشغال مناصب عسكرية حساسة،غيّر الهاشمي أتجاهه كضابط في الجيش العراقي وأتخذ ملجأه مع المعارضة الشيعية والسنية والكردية العراقية.

الأستقطاب الذي نادى به الهاشمي، مع بداية هذه السنة 2014، بدعوة مجالس عشائر عراقية الى الأنخراط في تشكيله ( مجلس عسكري بجناح مسلح ) وتجيّش الجيش العراقي والقوات المسلحة بمذهب أو قومية ومشاعر دينية، يثير تسائل القوى الكردية والعربية وأعتبرته القوى العراقية من أقبح وأرذل الوسائل السياسية، أنسانياً ومجتعياً. ففي هذه المرة ولغرض الرجوع الى السلطة التي فقدها، يضع نفسه على قمة أجهزة الأرهاب العشائري المسلح متجاوزًاً ماصرح به للأعلام سابقاً ( بأنه مستعد لحضور محكمة عراقية مستقلة في الأقليم الكردي لأثبات برائته من كل تهم الأرهاب الموجهة أليه). لايوجد في كل المعاني السياسية وأفلام المافيا المثيرة من يضع نفسه في الورطة والهوة كالهاشمي. فقد أسقط وأدان نفسه من جديد بقوله في بيان صريح:

( ( إننا نبشّر أبناء شعبنا العراقي الكريم بأن أبناءكم في هذه المجالس قد بدأوا بالتواصل والتنسيق في ما بينهم منذ اللحظات الأولى لانطلاق الثورة المباركة، ونبشّركم بأن هذه الاتصالات بين المجالس قد تتوّجت هذا اليوم بالاتفاق على تشكيل مجلس عسكري موحد باسم quot;المجلس العسكري العام لثوار العراقquot; الذي يضم كلاً من المجالس العسكرية في الأنبار والفلوجة والموصل وصلاح الدين والتأميم وبغداد وديالى وأبي غريب والضلوعية والشرقاط. ومن هنا يدعو المجلس العسكري العام جميع الثوار في المحافظات العراقية الأخرى الثائرة إلى الانضمام معه وللتنسيق في سبيل إفشال مخطط تدمير الشعب العراقي الذي يسعى إليه المالكي ومن تحالف معه). ويضيف في بيانه ( quot;ان مهمتها نبيلة، ولا بد ان تحظى بأوسع مقبولية جماهيرية طالما ان المظلومين والمهمشين والمحرومين باتوا يعوّلون عليها الآمال، بعدما قضى نوري المالكي متقصدًا على آخر أمل كان مفتوحًا على مدى عام من الزمن لاستعادة الحقوق سلميًا، وهو بالتالي يتحمل كامل المسؤولية في هذا المجالquot;. وناشد quot;الدول العربية والإسلامية والشرفاء في العالم اجمع ان يلتفتوا لمحنة الشعب العراقي، ويساعدوا على انقاذه ودعم انتفاضة المحافظات الست والمجالس العسكرية ).

ولعل أغرب ماجاء في كلمة الهاشمي هو هدفه الجنوني بأخراجنا من دمار الفئات الأرهابية الجاثمة على صدور أهل العراق وأدخالنا الحرية وعهد الديمقراطية بأستجابة القوى المتصارعة لدعوته الشخصية لصراع خفي جديد على غرار مخابرات (حنين) الجناح السري البعثي القديم الخاص بالأغتيالات السياسية، وتخويف الطوائف بالحرب المُعلنة، في وقت يلتحم الشيعة والسنة والعرب والأكراد في حربهم الحالية المقدسة بوجه الإرهاب نافضين وراءهم كل ما يفرقهم كمواطنين عراقيين يواجهون عدواً مشتركاً لايفرّق في استهدافه التخريبي بين سني وشيعي.

. هذه هي الوعود النبيلة لخدمة شعب العراق الغريق بالالآم والجروح والضحايا

وداعاً للسلاح، وداعاً للصراع، ووداعاً مخلصاً لعقلية المليشيات المذهبية و العشائربة هي الشجاعة المخلصة النبيلة التي ندعو الهاشمي والمحبين للعراق الترويج لها لكونها النفس الوطني المطلوب وفيها الأستعادة للأمن والأ ستقرار والرخاء لمحافظات العراق.

كاتب وباحث سياسي