مرونة تعامل الادارة الأميركية مع عصابات المافيا العربية التي تنكبت السلاح لإسقاط أنظمة لها ضروراتها ودوافعها. وكما يعرف الشعب السوري بأن كل عصابات المافيا الجهادية تملك جيشاً تتسمى به، تعرف الادارة الأميركية ومعاهد البحوث الأستراتيجية العربية والأجنبية بأن هناك أكثر من 16 فصيلاً "جيشاً " من هذه العصابات تُشارك في دمار سوريا.&

تاريخياً تعرّفَ العرب على المافيا الأيطالية بمشاهدة أفلام سينمائية نقلت مكافحة سلطات الأمن الأيطالية والأمريكية لجرائم المافيا ووظفت الادارةالأميركية قسماً منهم كمخبرين، وذلك بعد إنتشار عصاباتهم من الثلاثينيات الى الخمسينات من القرن الماضي أبتداءاً من جزيرة صقلية أساساً، الى أيطاليا وأمريكا وتوسع قياداتها في مدن، فيلادلفيا ونيويورك وشيكاغو وميامي ولاس فيجاس وألتصاقها بفئران (عملاء) يعملون لصالحهم في مكاتب الشرطة والأمن وبين الطبقات الكاثوليكية المسيحية الفقيرة العاطلة عن العمل.&

والحقيقة،لايوجد معنى محدد لكلمة "مافيا" لغوياً مع كثرةأستخدامها بعد عام 1863. وكلمة مافيا أو مافيوسي الأيطالية تُطلق على أفراد حلقة إجرام سرية في المجتمع تجبي الضرائب وتأخذ الرشوة وتقسر وتبتز المواطنين على دفعها لهم لا للدولة، لتوفر الحماية لهم في مشروعها الذي يُمثل الأبتزاز التجاري وتهريب البضائع وإخراس المناوئين بتهديدهم أوقتلهم.&

تتغاضى معاهد الدراسات الأستراتيجية في أوروبا وأمريكا تناول موضوع عصابات المافيا الأسلامية الجهادية والأعتراف بتعامل إدارة المخابراتالأميركية معها تماماً كما فعلت في أفغانستان وحرب المافيا الليبية للسيطرة على موانئ التصدير. ولاتمتلك هذه العصابات أي من النظريات أو النظم الأقتصادية أو الأدارية أوالأجتماعية المعروفة. وفصائل هذه الجماعات ليس لها أي خطة إنمائية لو أوصلتها الادارةالأميركية الى السلطة السياسية. فألى جانب " الله، رسول، محمد " وصراخ التكبير ولاإله إلا الله، لاتمتلك هذه العصابات أيَّ مفهوم ولاتُمثل الأسلام باي شكل من الأشكال.&

المنظور وغير منظور للحالات العربية المشوهة من الطرف العربي غرضه محاربة الدكتاتوريات العسكرية للتخلص من عتق العبودية والتخلف بطريقة المافيا القديمة المطوّرة حديثاً بتجنيد الشباب العاطلين وقيام الادارةالأميركية أعطائها صفات ومسميات التحرر والحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية وحقوق الأنسان، وماهي إلا صياغات، حقيقتها عملية تمويه يتقبلها الرأي العام الأمريكي والأوروبي والعربي مع علم الحكومات ومعاهد البحوث الأستراتيجية أن الولايات المتحدة، وهي تمسك بكل خيوط اللعبة، دخلت في رهان تجنيد عصابات إسلامية لصالحها من المافيا العسكرية العربية وتوجيه طاقتها ضد عصابات مافيا إسلامية أخرى وأدخالها في حروب إنهاك طاقتها القتالية بشكل مستمر.&

هذه المتناقضاتالأميركية وفوضويتها تدعم الارباك والتخريب في سوريا لتدمير تطلع الشعب السوري الى الحياة الأفضل. وهي مايجب أن تُنقل الى الكونجرس الأمريكي والرأي العام. في الجانب العربي، تؤخذ هذه المتناقضات على علاتها في الأنباء التي تُقدم و تسوّق إعلامياً بذكاء من موظفي الادارةالأميركية ومعاهد دراسات بحثية هوليوودية تمولها الحكومةالأميركية، في محاولات إدخال قناعات للرأي العام وبكذبة تنطلي على الشعوب، بأن سياسة الولايات المتحدة الخارجية ترعى في تعاملها مع هذه" العينات الخطرة وتسليحها " الروح والأرادة الديمقراطية وتوجهها للحرص على أوطانها وصروحها وشعوبها، كما رأينا ذلك في العراق وليبيا.

يبث خبراء إدارة البيت الأبيض والبنتاغون أنباء مشوشة مضطربة وغامضة تتبع فيها التضليل الاعلامي الذي يتغير بأستمرار عند توجيهها المغفلين من عرب الجزيرة الجهادي والنموذج المطروح على الشعب السوري والمافيا الأسلامية المسلحة التي تُطلق على نفسها حركات وجيوش التحرر والحرية والمعارضة المعتدلة وهي تتقاتل حتى الذبح مع عصابات مافيا أخرى تطلق على نفسها مسميات جهادية مماثلة في أبشع صور ألأدعاء بحماية الأسلام والرسالة المحمدية. وترى أن كل جهة تلعن من لا تقوم له قائمة، وتُحذر أن يبقى جيل الأسلام من الشباب تحت رحمة القرار السياسي الأمريكي الإسرائيلي وهي تستلم السلاح والعتاد والمال الذي يمده لها وسطاء وعملاء الحكومتين.&

ومرونة التعامل مع شخصيات لاتُعبرعن أرادة الشعوب وأرادتها ورغباتها وطموحها هي الخسارة الحقيقية المتمثلة في مبدأ سياسي للمافيا الدولية " من لا يقف في صفنا فهو ضدنا وعدونا ". وتلك هي أحدى أهم قطع الشطرنج الحالية في يد الادارةالأميركية وإتصالها بحركات فئوية لخدمتها وتنطبق عليهم كلمة المافيا لجرائمهم في المجتمع. الولايات المتحدة تعلم يقيناً أنها تتعامل مع مافيات عربية مختلفة كما فعلت في تعاملها مع مافيا أفغانستان وليبيا واليمن والعراق. هذه المرونة والتكييف تعطي دوائر المخابراتالأميركية اليد الطولى لتوجيه وإدارة وتدريب وقيادة مافيا عصابات عربية لا تمتلك أي نظرية علمية أو معتقد حضاري ولا يؤمن مروجوها وأفرادها بأي فكر إقتصادي سياسي إداري.

&والادارةالأميركية على علم تام بأكاذيب هذه المافيا الأجرامية وتخريبها وصنوف رجالها في سوريا ممن أعطوا لأنفسهم رتب عسكرية عالية وألقاب أمراء دول وهمية وشكلوا غرف عمليات، ورئاسات أركان ومجالس عسكرية يقودها المعتوهين والمشوهين ومرضى النفوس.و تترك الادارةالأميركية مهمة القتال لهم كمرتزقة، وكل فصيل يطالب المنتسبين من الفصيل ألآخر تسليم أسلحتهم وعتادهم و إعلان تركهم للتنظيم المغرر به والانضمام إلى ثوارهم أو مغادرة سوريا خلال أربع و عشرين ساعة امتثالا لامره تعالى.

&في وقت تتلمس قيادات هذه المافيا المال من الادارةالأميركية وتسليمها المعونات المرسلة لهم عن طريق تركيا، ويدق ثوارها أبواب الدول الخليجية وتتسول لمجنديها السلاح والعتاد والدولار والتدريب وموافقة الكونجرس على منحها 500 $ مليون دولار ليكتمل تدريبها خلال 3 سنوات، فان الخطة التنفيذ ستقودها مافيا أسلامية معتدلة للقتال ضد مافيا أسلامية همجية في داعش وأنصارها وإفراغ قوتها تدريجياً. وهو الغرض المنشود للادارةالأميركية لاراحة الدولة الصهيونية وإبعاد جيشها من الأذى في خوض أي غمار معركة.&

لغة المافيا هي التهديد والأبتزاز والأغتيال. فالمدعي بقائد جبهة ثوار سوريا، جمال معروف، تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة من عصابة أخرى، ونائب رئيس اركان الجيش الحر يكذّب خبر توحيد فصائل المعارضة لقتال النظام السوري وداعش، وداعش تحارب النظام وجيش النصرة والجيش الحر وعصاباتها على كل الجبهات. أنه نوع من الخديعة المتعارف عليها في الجرائم Decoy أن يتقمص شخص شخصية أخرى تحترف مهنة المافيا والتأكيد على نزاهة توليها أمور العامة من إجتماعية، سياسية أو دينية وإرتباط مسؤوليها بحماية المجتمع من الفساد. واشنطن قالت انه لا يمكن هزيمة التنظيم في سوريا باستهدافه بغارات جوية فقط، مؤكدة انها تحتاج الى تدريب وتسليح نحو 15 الف معارض "معتدل" لهزيمته. وزعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني يهدد بنقل المعركة إلى الدول الغربية إن فعلتْ. ومن العينات المكشوفة الأخرى أقتبسُ نص أحدهم، حيث يقول ( بعد اجتماع مطول، تم الاتفاق على صهر ودمج كافة تشكيلات مدينة الرستن ودمجها ضمن غرفة عمليات ثوار سوريا، بقيادتي أنا شوقي أيوب، لإسقاط النظام والدفاع عن البلد ). والعينة الأخرى مافيا لاتُمثل أي كلية أو أكاديمية حربية معروفة ممثلة في شخص أعطى لنفسه صفة نائب رئيس أركان الجيش الحر هيثم العفيسي وقوله (أن هيئة الأركان طلبت في أجتماع له مع أعضاء في الكونغرس الأميركي في تركيا رفع أعداد المقاتلين الّتي تنوي الادارة الأميركية تدريبهم من 5 إلى 15 ألف مقاتل على سبيل التحديد). والخدعة الأعلامية الأخيرة أن أمريكا مع بعض الفصائل بدأت بغربلةِ التنظيمات وكيفية تسليحها مع منسقين كالنقيب السوري عمار الواوي من جيش المعارضة المعتدلة والجبهة الأسلامية التابعة الى الظواهري والقاعدة وتدافع عن الشعب السوري بأموال أمريكية وتدريب في السعودية قد يستمر 3 سنوات بمقاييس المافيا.&

في حياتنا اليومية العربية ترتبط المافيا الحديثة بمؤسسات الدولة. المافيا العرببة الحديثة التكوين بدأت بعصابات عشائرية وأشخاص في عوائل قليلي الأهمية والتأثير على الدولة، وكان هدفها الأول التهريب والأبتزاز، وكما يقال "لكل سوق تجارها "، وإنتقلت بسرعة الى قادة يمثلون المجتمع المدني شاركتهم عصابات تجارية في عقود وإستثمارات في شركات وهمية. وتتخفى وراء تجارة المذاهب الدينية ورسائل الجهاد كما هو الحال في مصر وليبيا واليمن وتونس والجزائر والمغرب وسوريا، والمتوقع فيها صعود نجوم وأُفول نجوم وشخصيات في مجتمعات عنف وصراع المافيا. وإستمرار تبادل المعلومات والخدمات مع محاور الصراع للوصول الى المصالح والنفوذ والثروة وطمع الأستئثار بمناصب في إساءة مجتمعية سياسية ودينية للدولة وتسليط الضوء الأعلامي على أنها "شخصيات نزيهة " تصون المجتمع وتحترام الناس مع أن وجهها المافيوسي هو أستثمار ماتحصل عليه من الخارج وما تفرضه من الرشوة والتهديد بدفع الفدية التي يرى المواطن نتائجها في دول المنطقة المعنية وازدياد حالة الفوضى والتشرد في المجتمعات.

قد يستغرب بعض الناس من العنوان وإستخدامي لكلمة المافيا الجهادية، ويعتبرونه تسرعاً في لصق تهمة المافيا على مجموعات وطنية أخصها في مقال موجز كهذا. ولكني أرى أن كل الحركات المذهبية الدينية وجيوشها (بأستثناء عدد محدود وضئيل منها) تستغفل الناس وتجردهم من إنسانيتهم. فكل قواد الجبهات في ثوار سوريا تسنموا رئاسات عصابات المافيا وكلهم نفوا ما اشيع عن توحيد فصائل المعارضة لقتال النظام السوري وداعش وتنكروا لشعبهم. ونفس الشيء يقال عن المافيا العراقية وميليشاتها وتنصل بعضهم عن البعض الآخر بقولهم ( يجب أن يتولى المنصب شخصية نزيهة ) وهم يتمسحون بالسياسةالأميركية تبركا وتضرعاً،. نوع من الخديعة المتعارف عليها في الجرائم والتباكي بأن الله أرسلهم بوعده لحماية المجتمع من الفساد والكفر. هذا مافعله ايطاليو المافيا من الكاثوليك لأبتزاز أموال من الكاثوليك انفسهم وتهديداتهم لعوائل المناوئين وإبتزازهم للمذاهب المسيحية الأخرى.&

وفي ليبيا وقع إختيار الادارةالأميركية على عصابات مافيا عشائر تسيطر على موانئ تهريب البترول ودعمتها عسكرياً بالسلاح. وأستغفل أساتذة البيت الأبيض بأسم الحرية والديمقراطية والعدالة الأجتماعية، مافيا الرئيس المصري حسني مبارك وثروة الأسرة التي تُقدر مابين 45 الى 70 مليار دولار أمريكي، تتركز غالبيتها في أرصدة في بنوك بريطانية وسويسرية وعقارات في لندن ونيويورك ولوس أنجليس ومصر، وموزعة بين نجليه جمال وعلاء مبارك ومحمد علاء مبارك. وثروات ضخمة مماثلة يملكها قادة وتجار في دول عربية ومودعة في خزائن بنوك بأرقام سرية.&

وبينما يعيش ثلث الشعب الليبي ونصف الشعب العراقي تحت خط الفقر في دولة بترولية غنية الموارد فأنهم لايُعتبرون في نظر حكامهم كائنات حية لها قيمتها المجتمعية. أسرة القذافي وأولاده التسعة وبطانتهم وأفراد معدودين من عشيرتهم، وصدام وبطانته وعشيرته من الحماية المُقربة المخصصة لعمليات الأغتيال والترهيب، وأكاذيبهما بتوزيع الثروة البترولية مباشرة على الشعب كانت واحدة من بين الأكاذيب الكثيرة التي استعملها الرئيسان لاستمالة وكسب المواطنين والقبائل وولائهم.&

نفس الشيء يقال عن المعارضة العراقية لصدام التي وصلت الى السلطة وهي مفلسة، وفجأة إنفجرت (عينات) منها في فضائح النهب والأختلاس وثروات عوائلهم وتهريب أموال من عائدات البترول. المهم أن هذه النقاط التي أطرحها هنا لاتثار للجدل الأكاديمي وعقم النقد والمحاججة السخيفة لأنها وقائع مسجلة عن أشخاص شاركوا في أعمال تفوق ما فعلته عصابات المافيا، ومازالوا في وسط الحلبة السياسية وسير الأموال المهربة والمختلسة لم يرى النور بعد، ولم ينال التحقيق منهم ولم يطالهم القضاء خوفاً من سطوتهم أو من يُزورون السجلات التحقيقية ويحرقونها في عمل مخادع مدفوع الثمن.&

&

باحث وكاتب سياسي&

&

&