في حواري الذي أصبح دوريا مع الدكتور جيم:
قلت له: ما أجمل خريفكم يا جيم رغم كرهي للخريف.. تتساقط أوراقه وتنبعث منه كل الألوان الجميلة.. عكس خريفنا العربي الذي تتساقط أوراقه وتختفي ألوانه.
ضحك بسخرية وقال: وهل لديكم ألوان مختلفة كي تختفي.. ليس لديكم سوى لون واحد؟!
ومسح وجهه بمنديل فوق الطاولة وقد شعر بالخجل من حرجي وتبسم.. ثم أردف قائلا:
لونكم الواحد كخريفكم المتساقطة أوراقه بدون ألوان.. بل أنه ليس لكم من الفصول سوى فصل الخريف المخيم على أجواءكم منذ قرون.
قلت: ألا تعتقد أن ألوان خريفكم مسروقة من ألوان ربيع العرب الذي تحول إلى خريف تكسرت أغصانه؟!
قال: الفصول الطبيعية الأربعة يا سليم.. إنعكاس لفصول عقولنا وأرواحنا وكل ما تعكسه حقيقتنا الأعمق.
قلت: أتقصد أن الطبيعة الخضراء إنعكاس لشيء أخضر في الإنسان.. والطبيعة الجرداء صورة لشيء متصحر في إنسان آخر؟!
ضحك وقال: بالضبط ياسليم.. بالضبط.
قلت له: والبحر إذن؟!
قال: البحر.. كائن.. يناديك , كي تبحر في أعماقه , لتتعلم فن الغوص وتصطاد اللآليء فيه.. وإلا فإنه سوف يصطادك.
قلت: والنهر؟!
قال: النهر.. يلهم الإنسان كيلا يتوقف عن التفكر والتأمل.. ومن يعاند ذلك العطاء العظيم ويركن للكسل والجمود عكس حركة النهر يصاب بالترهل والتخلف.. ويبقى النهر شاهدا عليه.
قلت صارخا والمطر؟!
قال ضاحكا: على قدر غزارة المطر الذي لا يغرق الشوارع بفعل إبداع الإنسان... تتضح عظمة الإنسان عند الله.
قلت: أتتحدث فلسفة أم دين؟!
قال: أتفكر.. وأستنتج من أفكاري ما أعتقد أنه شيء من العقل.
قلت: قد تكون أفكارك مجرد أوهام وأنت تسبح في فضاء من الجنون أو العبث.
قال: لا يهم.. المهم أنني أفكر.. فأكون موجودا كما يقول ديكارت.. وأشعر أنني إنسان.. لكن المؤلم هو ما نراه عند أولئك الذين لايفكرون ويسلمون عقولهم للشيطان كي يفكر نيابة عنهم فيأخذهم الى الجحيم ويبيعهم وهما.. يسميه الجنة.. ويحقنهم خرافة.. يسميها الثواب.
قلت: وهل لديك شك في الجنة والثواب؟
قال: لا أبدا.. أشك في جنة الشياطين ولا أشك في جنة الله.. وأشك في ثواب يمنحه الشيطان المتأنسن.. أما جنة الله فلا تحتاج الى شيطان كي يأخذني إليها فوق سفينة وقودها الدماء.. وثواب الله لا يحتاج الى جريمة في حق الأبرياء كي يفوز به الإنسان العاشق لمصافحة ربه.
الجنة والثواب: لا يحتاجان الى تصاريح ممهورة بالدماء ولا الى شهادات حسن ذبح وسوء سلوك.
قلت: أنت تتحدث وكأنك تمتلك مفاتيح الحقيقة!
قال: غير صحيح ما تقوله.. أنا أتحدث وفي عقلي منهج الشك من أجل الوصول الى اليقين.. لكنني لا أدعي إمتلاك الحقيقة.
قلت: القرآن يقول إن بعض الظن إثم!
قال: قرآنكم يقول بعض الظن.. ولم يقل كل الظن.. أيضا هو لم يقل بعض الشك..لأن الشك نابع من العقل وهذا ما يجعله منهجيا.. أما الظن فإنه يكون في أغلبه وجدانيا فيكون بعضه وهما وليس حقيقة وهذا ما يجعل بعضه إثما.. لأن الوهم خرافة وأنتم كعرب تتشبثون بفكر الخرافة أكثر من تشبثكم بالإيمان الحقيقي أو الفكر المستنير فكنتم على مر التاريخ في أغلبكم أتباعا لفكر الشياطين وخرافات المشعوذين وأوهام المستبدين وأذنابهم.
قلت: ومن هم أذناب المستبدين؟
قال: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين.
قلت: وما دخل المبذرين في موضوعنا؟!
قال: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
قلت: يارجل وما دخل المنافقين؟!
قال: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ!
قلت: وما علاقة الكذب بحوارنا هذا؟!
قال: هناك صلات وثيقة بين المنافقين والمبذرين والمسرفين والمستبدين والكاذبين.. جميعهم تجمعهم شهوة التملك والتسلط والإستحواذ والإستبداد والقهر والزيف وتزوير الحقيقة.
قلت: تتحدث وكأنك حافظ للقرآن الكريم!
قال: القيم.. هي نفس القيم في القرآن والتوراة والإنجيل وفي قيم الهندوس وبوذا.. لكن الثقافات تختلف بإختلاف البيئآت الحاضنة... وسلوك الإنسان إنعكاس لثقافته.
قلت: أتقصد أن داعش صورة لثقافة عربية؟!
قال وهو يضرب بكفه على الطاولة بقوة.. وكأنه في حالة هياج: بالضبط!!!
وتعانقنا وكأن في حناجرنا غصة من حجر... وهي في الحقيقة ليست إلا غصة من ألم!
&