تقول داعش ان هدفها هو إقامة دولة الخلافة الإسلامية. هي تداعب مشاعر المسلمين بكلمة "الخلافة" التي ترمز لدى أكثرنا الى عهد القوة والنقاء والرخاء الإسلامي. لكن هل كانت كذلك بالفعل؟
هل كانت قوية وقد تمزق جسدها منذ القرن الأول للإسلام، فأصبح للمسلمين خليفتان وثلاثة وعشرة في وقت واحد؟ وهل كانت نقية وقد تصارعت الطوائف فيما بينها، منذ الصدر الأول؟
وهل كانت عهد رخاء في ظل تناحر لم ينته حتى الآن وقد اورثتنا كل عيوبها؟
الأهم من ذلك هو كيف يمكن ان نطالب بخلافة كانت في جميع مراحلها قائمة على حاكم مطلق بيده كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية؟ المبدأ الأساسي للدولة الحديثة والقائمة على إرادة حرة لشعبها هي تلك التي تفصل بين سلطاتها الثلاثة. لكن ما عرفنا مثل هذا الفصل في تاريخ الخلافة الإسلامية إلى في حالات نادرة لخليفة "مستنير" وقد كان نادرا.
فالحاكم هو المشرع والمنفذ والقاضي. هو باختصار كل شيء.
إن كان القرآن الكريم قال "وامرهم شورى بينهم" فليذكرني أحد بقصة واحدة، حادثة واحدة، كان فيها الأمر شورى في عهد أي خلافة.
حاكم يأمر بقطع رأس هذا وذاك دون ان يحاسبه احد، ام خليفة تتنازعة الجواري كل ليلة؟
لقد أعطت كتب التاريخ صورة غير حقيقية عن الخلافة الإسلامية. صورتها رمز لكل ما هو جميل، وكم جانبت الصورة الصواب.
اختلف العرب على من يكون الحاكم ولما يتم دفن الرسول عليه السلام. وما عرف أحد ولا قرأنا ان انتخابا او اقتراعا او شورى قد تمت لاختيار حاكم جديد. توصية من الصحابة الكبار حسمت الأمر. واستمر الوضع حتى مقتل علي رضي الله عنه فتحولت الدول الإسلامية المتعاقبة من بعده الى أنظمة حكم فردية استمرت على اختلاف الدول الإسلامية، من الأموية، الى العباسية، وحتى العثمانية مرورا بالفاطمية والمملوكية والسلجوقية.. وكل ذلك باسم الله والدين وخليفة المؤمنين الذي لا يجوز الخروج عليه او مخالفته؟
فأي خلافة نريد ان تعود؟
نعم.. لقد كان العالم القديم أبعد ما يكون عن الديموقراطية والإنتخاب حتى عهد الثورة الفرنسية. فقد سادت نظرية الحاكم الواحد، وأيدها حتى كبار الفلاسفة، وكلنا يذكر ميكافيللي صاحب "الغاية تبرر الوسيلة".
ولم يكن العالم الإسلامي في قديمه ليختلف عن بقية العالم. لكن إن كان العالم اليوم يتطلع للمستقبل فنحن نتطلع الى الوراء.
وإن سألني احدهم: هل دول اليوم افضل من دول الخلافة بالأمس؟ سأقول إنها قد لا تكون أفضل، لكنها ليست بقدر سوء ما كان. ومن العار ان نمجد اطلال الماضي ولا نكف عن التطلع إليه والتغني به أو تمني ان يعود.
إن كان هناك من يرى أن في ذلك قراءة سطحية للتاريخ الإسلامي، فسأترك له قراءة العمق الذي يريد الوصول إليه، ثم ليخبرني ما الذي وجده. فإن كان غير ما أقول فليأتي بدليله وسأقدم لكل الخلفاء اعتذاري.

[email protected]