تعلمنا منذ الصغر أن نطيع الله وننفذ وصاياه حتى ندخل الجنة. وكانوا يصورون لنا الجنة بأفضل الصور حتى بات دخول الجنة أعظم ما يتمناه المؤمن. وكان من المستحيل ان نصدق ان هناك اناساً لا يرغبون في دخول الجنة. وكان من الخيال والوهم أن نصدق أن هناك أناساً يطيعون الله وينفذون ما أمر به في الكتب المقدسة ولا يريدون دخول الجنة. وكان العجب كل العجب عندما نجد الناس متمسكة جداً بالحياة على الأرض ويريدونها أن تطول مع علمهم بأن الحياة في الجنة أفضل وأروع. فسألت بعض هؤلاء عن أسباب عدم رغبتهم في دخول الجنة وكانت الإجابات مثل الصاعقة.

في البداية وقبل معرفة آراء الذين لا يريدون دخول الجنة نعرج على الكتب الديينة لنرى أجمل الأوصاف وأحلى الأسماء التي للجنة.. دار السلام.. دار الخلد.. دار النعيم.. ما لم تره عين.. ما لم تسمع به أذن.. ينعم فيها الإنسان بأصناف الملذات، فما يشتهي أحدهم شيئاً إلا جاءه.. فيها نهر من عسل مصفى، ونهر من لبن، ونهر من خمر لذة للشاربين، ونهر من ماء..

قال عالم الفيزياء أن كل هذه الملذات والمتع التي تتحدث عن وجودها بالجنة قد شبعت منها فعرفت النساء منذ الصغر حتى أنني لا أتذكر عددهن ولا أرغب في المزيد كفي ما معي، وخصوصاً أن كل إمرأة عرفتها كان لي معها قصص حب وشجون وفي الجنة هذا لن يكون. وشربت كل أنواع الخمور وأطيبها وما أشتاقت نفسي لأطيب من هذه خمور، وبيتي الذي اسكن فيه يشبه الجنة التي تتحدث عنها ويزيد وكفى أني قد بنيته بنفسي ووضعت فيه افكاري وأعرف طوله وعرضة ولا أحب أن أسكن في مكان لا أعرف له حدود. وكأس المعرفة قد أمتلأ وفاض بسبب الأنترنت ولست قادراً على إستيعاب المزيد. وقال " أنه ليست لديه أية رغبة في أن يحيا إلى الأبد".. لأن التفكير في الحياة إلى المالانهاية يسبب له الكآبة والضيق وبالتالي فدخول الجنة بالنسبة إليه أمر غير مرغوب.

وقال الفيلسوف أنه لايهتم بالنساء فقد حرم نفسه من الرغبة وتحرر من الشهوة بإرادته الحرة واختياره المحض فلم تعد النساء بالنسبة إلية مشكلة أو مطلب ولذلك فوجودهن بالجنة ليس ميزة فقد أنتصر على الرغبة بعد جهاد طويل ولأن دخول الجنة سيحرمه من هذه الفضيلة فهو يعتذر عن الدخول. وقال أنه لا يحب الخمر ولم يتذوقه في حياته قط وليست لديه أدنى رغبة ليتذوقه وبالتالي فالامتناع عن شرب الخمر في الجنة ربما يعرضه

لمشاكل هو في غنى عنها ولذلك يفضل عدم الدخول. وبالنسبة إلى روعة الجنة كمكان جميل مريح مبهج للعين فهذا أيضاَ لن يروقه لأنه تعود على حياة الزهد والتصوف والفقر الأختياري ولذلك فدخول الجنة سيحرمه من هذه الفضائل التي اكتسبها بشق الأنفس وبعد جهاد مرير ضد رغبات الجسد والنفس، فقد انتصر على حب الملذات وتعظم المعيشة وشهوة العيون ولذلك يعتذر عن دخول الجنة حفاظاً على مكاسب النصر وثمار الانجازات.

غير أنهما (العالم والفيلسوف) أكدا أنهما لم يصنعا الشر طيلة حياتهما فلم يؤذيا إنساناً أيا كان، ولا حتى حشرة صغيرة. وكانا محبين للحياة وللناس لم يعاديا أحدً ولم يحقدا أو يحسدا أحداً وعاشا طيلة حياتهما يبحثان عن النظريات والحلول التي تجعل حياة الناس أفضل. وهما في كل ذلك يشعران أن عملهما ليس فضل منهما بل هو ضمن الواجبات التي إن نفذاها فهذا ما يجب أن يكون.

وقال الرجل التقي أنا لا أطمع في دخول الجنة لاني لا أستحقها فقد فعلت بإرادتي أفعال كثيرة تغضب الله وعلمت أنها سوف تحرمني من دخول الجنة غير أنني لم أستطع إلا أن أفعلها. فقد رفضت الخضوع للنصوص الدينية فلم يستعبدني نصاً قط، فعبوديتي لله وحده لا شريك له. وكنت في معارك عنيفة مع أولئك اللصوص الذين سرقوا النصوص وباعوها للسذج الذين لا يملكون. وكنت أقاتل أولئك الذين قتلوا الناس بالنصوص. كنت أحب الكفار والمشركين وأصادقهم وأبرهم ولم يكن ذلك لدعوتهم للدخول في الدين... ولكن لأنه هكذا يجب أن يكون.. وكيف لا أحبهم والله هو المحبة ذاتها. لم ألعن احداً قط حتى أولئك الذين لعنونني ولعنوا ديني وقيمي وشعائري وقالوا عني كل قول شرير، فلم اجازي الشر بالشر بل بالخير الغزير. لم انصر الظالم الذي يؤمن بما اؤمن ودافعت عن المظلوم الذي لا يؤمن بما اؤمن. لقد بذلت نفسي ومالي وجهدي من أجل أخي الإنسان الكافر قبل المؤمن. ومن شدة محبتي لخلق الله الخطاة والأشرار، واستمراراً لرسالتي فلدي رغبة عارمة أن أكون في المكان الذي فيه سيتواجدون.

وقال الحكيم يا أخوتي عما تتسائلون.. وهل ُكشفت كل اسرار الكون وما بقي إلا سر الجنة والخلود؟ يا أخوتي ومن منكم أختار جنسه أو لونه أو دينه أو أي شيء مما تعرفون حتى يكون له الحق في اختيار دخول الجنة أو رفض القبول؟ البساطة سر السعادة ومصدر الخلود.. وبساطة الأيمان نعمة للمؤمنين وتعقيداته شر وجنون. يا أخي الحبيب حب الناس واخدمهم فتسعد نفسك وتسعدهم، وبعد ذلك ليكن ما يجب أن يكون.

&

[email protected]