أصبح أمر الألفاظ البذيئة والقبيحة والإباحية الوقحة والمصحوبة بحركة أكثر بذاءة وقبحا وإباحية خارج السيطرة، فهي على ألسنة وفي حركة الكثير من المصريين، الكبار والصغار، الأغنياء والفقراء على حد سواء، ولم يعد الأمر قصرا على منطقة دون أخرى، أو شريحة اجتماعية دون أخرى، وأن هذه الألفاظ والحركات المصاحبة لها وصل أمرها إلى الجلسات والمناقشات الخاصة والعامة في الشارع والأماكن العامة وحتى في البيت وأماكن العمل والدرس، وذلك يجري في الوقت الذي ينشغل فيه الجميع عن ملاحظة ودارسة ظاهرة تعمل كالوباء في أخلاق المصريين، بل إن أحدا لا يحرك ساكنا لوقف أسبابها والحد من تأثيرها على المجتمع.
من ضمن الأسباب القوية وراء هذا الانتشار الواسع لتلك الألفاظ والحركات، موجة الأفلام التي تسيطر على الساحة منذ سنوات، وقد تطور أمر قباحة الألفاظ فيها إلى درجة السب بالأب والأم والقذف بالإيحاءات والحركات الجنسية والإعلان المباشر عن الشهوات والخيانات، وتتداخل الألفاظ والحركات سواء باليد أو الرأس أو أجزاء أخرى من الجسم تداخلا فظا غليظا، ولنراجع الأفلام التي ينتجها محمد السبكي وأشباهه وآخرها أفلام عيد الأضحى المبارك الماضي لنرى كأن الأمر ممنهجا ومدروسا لتخريب وتدمير المجتمع بما لا يسمح له التنبه والوعي بالأخطار المحدقة به داخليا وخارجيا من إرهاب أسود وتطرف قاتل.
ويدخل ضمن الأسباب برامج التوك شو التي لا يحكمها ضابط مهني أو أخلاقي ولا فكري أو لغوي، يتحدث مقدموها كما يتحدث رواد المقاهي من الدهماء والعامة، يتأوهون ويصرخون ويشوحون بأيديهم ذات اليمين وذات اليسار ويهزون رؤوسهم، وذلك دون استثناء لقضية جادة أو غير جادة، سواء عندهم مناقشة قضايا اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية محورية، أو قضايا فارغة مزيفة، يتوعدون هذا ويهددون هذا ويحرضون على هذا ويطعنون في هذا، وينافقون هذا، وقد تحولت برامجهم إلى "سبوبة" لا تراعي وطنا ولا مواطنين ولا ظروف صعبة تطحن الجميع، وكل ذلك في إطار لغة سفيهة وأحاديث بالغة الجهل. والأمثلة تبدأ من توفيق عكاشة لوائل الابراشي لعبد الرحيم علي وأحمد موسى وعمرو أديب ومحمد الغيطي وغيرهم فيديوهاتهم تملأ فضاء اليوتيوب.
أيضا ضمن الأسباب تراجع حضور الشخصيات التي يمكن أن تكون قدوة ومثلا كريما في الوطنية والعلم والأخلاق والأدب، بل انسحابها احتراما لذواتها، وحضور شخصيات مقيتة ملوثة بالانحطاط والنفاق لتتصدر المشهد وتلوثه أكثر وأكثر بحثا عن مكاسب رخيصة.
ولا يبتعد الوضع الاقتصادي للأسرة المصرية عن تلك الأسباب، فالأسرة ترزح تحت ضغوط لا تجعلها قادرة على الالتفات إلى أخلاقها ولا أخلاق أبنائها، فهي منساقة ومجرجرة كرها أو غفلة، فعندما تكون مطارة بالبحث عن لقمة العيش واللهاث حفاظا على الحد الأدنى من الحياة الكريمة ومقاومة الابتزاز والاستغلال والاستنزاف الذي يمارسه التجار والمدرسين والأطباء وهلم جرا، فليس أمامها إلا الاستسلام ـ شاءت أم أبت ـ للأوبئة الأخلاقية التي تجتاح الجميع. وهنا نتحدث عن أسرة يملك عائلها عملا، فما بالنا بأسر لا تملك العمل وليس لديها ما يكفل لها الحياة من أصله، هل ستراقب الأخلاق والألفاظ والحركات وما شابه في سلوكها أو سلوك أبنائها، بالتأكيد ستقع تحت طائلة فقدان تام للتوازن.
كما لا يمكن أن نغفل مواقع التواصل الاجتماعي الفسيبوك وتويتر وغيرها التي بعيدا عن انحطاط اللغة التي يكتب بها عليها، فهي تستخدم هذه الألفاظ البذيئة والإباحية في جرأة، وعدواها تنتقل بشكل لا يتخيل، ومما يؤسف له أن العدوى انتقلت من الشباب والفتيات المراهقات إلى الناضجين منهم وكبار السن، وشرائح من الموظفين والناشطين السياسيين أو من يطلقون على أنفسهم ذلك من المثقفين والكتاب والمهتمين بالثقافة والكتابة بشكل عام.
وباء خطر، لا أعتقد أن أحدا من المصريين نجا من أثره خلال الفترة الماضية، لا كبيرا ولا صغيرا، مسئولا أو غير مسئول، ومما يؤسف له أن نصيب النساء والفتيات أكبر، وتأثيره على نفسياتهن أضعاف مضاعفة تأثيره على الرجال والشباب، لذا ينبغي التحرك سريعا باتجاه وجود حلول، وقد كتبت كثيرا مطالبا بدور فعال للتعليم والثقافة والإعلام والصحافة ورقابة قوية في الشوارع وقوانين رادعة، لكن مما يؤسف له أن شيئا لم يتحرك بعد ويدرك أن ثمة أخطار تتهدد المجتمع وتبقيه في دائرة العنف اللفظي والسلوكي والأخلاقي.&&
نماذج مما ورد في الصحف المصرية خلال الفترة الماضي:
** في أول ظهور له بعد واقعة التعدي عليه، هدد مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، جماهير ألتراس وايت نايتس، نافيًا أن يكون ما رمى به بول، معتبرًا أنها "مية نار". وقال مرتضى منصور، في لقائه مع الإعلامي مدحت شلبي على قناة "إم بي سي مصر" مساء الإثنين: "أنا دكر، أنا راجل، أقسم بالله ساعة ما تتمسك أنا عندي العصايا مش هضربك بيها أنا عارف هحطها فين". كما هدد "اللى كتب إنه بول هضربه بالجزمة"، متسائلا "هو البول بيطلع دخان يولع، ده مش بول".
** هاجم تامر عبدالمنعم ـ فنان ـ& عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" يهاجم البرلماني السابق زياد العليمي، القيادي بحزب المصري الديمقراطي، قائلا: "الكائن الملظلظ اللي اسمه زياد العليمي بيهددني ويعايرني إن أبويا سكرتير مبارك وحمايا محامي مبارك، وأنا بأعلنها قصاد الجميع وبقوله: "إوعى يا تافه ياللي من الثدييات تتصور إن صوابعك زى بعضها". وأضاف عبدالمنعم: "أقسم بالله العظيم أجيب أمك من بيتكم وأعلقك يا خاين يا عميل يا حقير في ميدان التحرير بتاعك، والدكر يخلصك مني، اللهم بلغت اللهم فاشهد".
** دافع المدرب واللاعب أحمد حسام "ميدو" مدير قطاع الناشئين بالزمالك، عن نفسه، فيما يتعلق بتصريحه الأخير الذى أثار أزمة بينه وبين إبراهيم حسن، مدير الكرة بالزمالك، والذى تطور لاشتباكات لفظية خارجة.&& وقال ميدو في مداخلة هاتفية& مع قناة "النهار رياضة": تصريحى اللى قلت فيه "إن أمي لو مسكت الزمالك هتاخد بطولة" كان وقت تولي مسؤولية الزمالك، ومرتضى منصور هو من كرر الجملة عقب انفعاله بخسارة الزمالك للقاء السوبر". وأضاف: "أي كلام خارج عن النص لن أقبله وبالذات أي شخص يمسني شخصيا، فأنا متربي في ميت عقبة ومحترم مع الصغير قبل الكبير، وبتكلم في حقيقة ميدو محترم ورجل.. وباشا مع الباشا وعربجي مع العربجي، واللي نسي مين هو ميدو بقوله ميدو قليل الأدب وهذه رسالة مهمة جدا للكل وأرجو ألا يربطها أحد بإبراهيم حسن". وتابع:" "اللي نسي مين هو ميدو وشافه في عز جبروته وقلة أدبه يا ريت يفتكره".&
&
&