العراق الذي کنت أحلم به کأي معارض عراقي لنظام حکم صدام حسين، کان عراقا يرفل بالحرية و الديمقراطية و يزدهر في الابداع و يتألق المبدعون في شتى المجالات، عراق کنت أتصور"کالکثير من الحالمين"، بأنه سيکون عراقا فريدا من نوعه و سيصبح نموذجا و قدوة يحتذى بها للمنطقة، وقد کنت مصرا على هذا الحلم حتى عدة أعوام من بعد سقوط نظام صدام حسين.

صدام حسين، کنت أعتقده حالي کحال معظم المعارضين العراقيين، بأن بقائه و استمراره في السلطة يقف عقبة کأداء بوجه طموحات و تطلعات الشعب العراقي و نخبه المثقفة الواعية في بناء نظام سياسي يعبر عن إرادة الشعب العراقي، لکن، وبعد أن سقط نظام صدام حسين و أعدموه بتلك الصورة الغبية و السخيفة التي عبرت عن عقلية طائفية متخلفة، وبعد صبر لم يطول، تمخض الاوضاع عن نظام سياسي أقرب للمسخ و يجمع بين دفتيه الکثير من التناقضات و المفارقات المثيرة للسخرية و القرف.

في عراق صدام حسين، کانت هنالك حملات إعدامات، کان هنالك الانفال، وکان هنالك القبور الجماعية في کردستان و جنوب العراق، وکان هنالك القصف الکيمياوي لمدينة حلبجة، لکن، في نفس الوقت کان هنالك نظام و قانون و دولة تسير الامور، کان المواطنون ينامون بإطمئنان، أما في عراق اليوم، فهناك فلتان أمني و جيش منهار ليس بمقدوره أن يحمي نفسه و قادته يذبحون کالنعاج على أيدي الارهابيين، هناك تفجيرات و إغتيالات و ميليشيات عميلة تقوم بإخراج السجناء من السجون و تنفذ بهم حکم الموت بمشيئتها و رغبتها و نزوتها الخاصة، في عراق اليوم، هناك العشرات من الاحزاب التي تتسابق فيما بينها من أجل نيل الحظوة لدى بلاط ولاية الفقيه، في عراق اليوم هناك ساسة يزعمون بأنهم الوطنيون الحقيقيون وهم تهافتوا لتقبيل يد مرشد النظام الايراني بکل"ذلـة و خشوع".

عراق صدام حسين الذي کنا نقول أنه جلاد و قاتل و سفاح يفتك بالشعب العراقي، لم يکن بوسع منظمة العفو الدولية و سائر المنظمات الاخرى المعنية بشؤون حقوق الانسان ان تذکر أرقاما للمعدومين و المسجونين و المختطفين و المغرر بهم کما هو الحال في عراق اليوم، حيث لم تعد هذه المنظمات بحاجة لتبذل جهدا و عناءا من أجل الحصول على أرقام بشأن المعدومين و الذين تم إغتيالهم او ترحيلهم عن ديارهم عنوة او بشأن تلك المساجد التي يتم تفجيرها على يد تلك الميليشيات الداعشية التي تتنافح شرفا بتعليق جثث عراقيين لم يرتکبوا أية جريمة سوى أنهم وجدوا آبائهم على طائفة و هم جبريا على دربهم سائرون.

عراق اليوم، حيث ينتقم الداعشي الشيعي من الداعشي السني بقتل و إبادة المواطنين السنة النائين بأنفسهم من نار هذه الفتنة، وعوضا عن أن يقدم للشعب مکسب او منجز إقتصادي أو ماشابه، يعلن عن إکتشاف مليار و نيف من أموال الشعب العراقي المسروقة على يد"أعداء صدام"، لکن لايزال الکلام سابق لأوانه بشأن 299 مليار دولار آخر منهوب من أموال الشعب العراقي لأن إکتشاف ذلك مستحيل طالما بقيت الميليشيات تتحکم بخناق بغداد و طالما بقيت قبضة الولي الفقيه تهيمن على العراق کله، وغريب بعد کل هذه المآسي والمصائب أن نعود الى نقطة الصفر والانطلاق الاولى لنبحث مجددا عن الخلاص من قبضة و براثن الولي الفقيه.