الذرة البدائية L’atome primitif:

حسم الراهب والعالم الفيزيائي البلجيكي جورج لوميتر أمره وقرر الذهاب لمقابلة آينشتين في مؤتمر سولفاي Solvay الذي عقد في بروكسيل سنة 1927. ومن ثم عرض عليه نتائج بحثه وحساباته على نظرية النسبية العامة التي أوصلته إلى أنموذج كوسمولوجي يكون فيه المكان أو الفضاء في حالة توسع. وبما أن آينشتاين سبق له أن واجه بشراسة علماء رياضيات عملوا على معدلاته النسبية، ويصر على سكونية وثبات نموذجه الكوني الكوسمولوجي، وسبق له كذلك أن أبدى اعتراضاته على تفسيرات العالم الروسي فريدمان ودراساته الرياضياتية على معادلات نسبية آينشتين وتوصله لنفس استنتاج لوميتر، لم يتحل آينشتين بالصبر ولم يعد يتحمل أكثر هذا التدخل السافر في نظريته وتفسيرها حسب أهواء واجتهادات العلماء كل حسب رؤيته والقول بتوسع المكان أو الفضاء، لذلك أتهم لوميتر بأنه يجري على نحو أعمى وراء توهمات علماء الرياضيات والتوجه نحو فيزياء شنيعة وبغيضة ورديئة بل فظيعة بقبوله استنتاجاً خالي من أي معنى. كان رد آينشتين وتوبيخه بمثابة الزلزلال بالنسبة للوميتر لكن الصدمة لم تدم طويلاً. إذ سرعان ما جاء لنجدته على نحو غير مباشر العالم الأمريكي المحترم والمشهور إدوين هابل سنة 1929 بفضل نتائج استخلصها من مشاهداته ورصده من تلسكوب جبل وسلون الذي كان آنذاك أقوى تلسكوب في العالم، حيث أظهر عالم الفيزياء والفلك الأمريكي هابل وبأدلة علمية مقنعة أن جميع المجرات المحيطة تبتعد عن مجرتنا درب التبانة. ففوتونات الضوء القادمة من تلك المجرات والتي درسها وحللها هابل من خلال نظرية الأطياف الضوئية، في رحلتها الطويلة حتى وصولها إلى الأرض، كانت تحمل رسالة واضحة لا تقبل الجدل أو الدحض ألا وهي إن الكون المرئي المنظور ليس ساكناً ولا ثابتاً بل هو بالفعل في حالة تمدد وتوسع. ومن هنا لم يعد آينشتين بحاجة لإقحام ثابته الكوني في معدلاته الرياضية عن النسبية لكي تتوافق مع رؤيته عن الكون الثابت والساكن. واعترف بصحة استنتاجات هابل ولوميتر وفريدمان وقبل الحقيقة صاغراً وبتواضع العالم. ومنذ ذلك الحين فرض نموذج البغ بانغ الانفجار العظيم نفسه، وهو النموذج الذي يصف الكون البدئي بأنه كان مضغوطاً إلى أقصى درجة وذو طاقة كامنة لا محدودة وكتلة هائلة ودرجة حرارة مهولة ومن ثم انفجر وتضخم وتوسع وما يزال يتوسع ويتمدد.

كان فريدمان ولوميتر على حق بيد أن فريدمان هو الذي حصد السبق العلمي حيث أعتبر أول من اكتشف توسع وتمدد الكون رياضياتياً وأن لوميتر طور الفكرة باستقلالية عن أبحاث فريدمان ولهما الفضل معاً في وضع السيناريو الكوسمولوجي الأكثر علمية ومقبولية في ذلك الوقت. وكان ذلك بمثابة تمجيد لتدخل الرياضيات في شؤون الفيزياء. وما كان من آينشتين إلا أن يعلن أسفه وإقحامه عنوة لثابته الكوني وكان ذلك أكبر خطأ ارتكبه في حياته وباعترافه، حيث كان بإمكانه أن يكتشف بنفسه هذه الحقيقة لولا عناده وتعنته حيال رؤيته للكون الساكن والثابت.

النماذج المتاحة للكون المرئي:

كشف النموذج الكوسمولجي الكوني البغ بانغ أو الانفجار العظيم عن تفصيل في غاية الأهمية وبدا جوهرياً. فهذا النموذج لا يقدم سيناريو كوسمولوجي واحد بل عدداً كبيراً من السيناريوهات المختلفة. وكلها تصف كوناً في حالة تمدد وتوسع لكنه يختلف من ناحية الشكل الإجمالي للفضاء لا سيما فيما يتعلق بالامتداد المكاني إن كان منتهياً أو محدوداً أو غير منتهي وغير محدود، نهائي أو لا نهائي finie ou infinie. فهذه المسألة لها أهميتها القصوى حينما نتطرق لاحقاً لمفهوم العوالم المتوازية والأكوان المتعددة.

إن المبدأ الكوسمولوجي المتعلق بتساوقية وتناسق الكون المرئي، تقلص كثيراً هندسة الفضاء أو المكان لأن القليل من الأشكال متناسقة بما فيه الكفاية لكي تحتوي تحدباً هنا وتقعراً هناك وثالث في موقع آخر والحال إن المبدأ الكوسمولوجي لا يحدد شكلاً وحيداً للأبعاد الثلاثة للمكان أو الفضاء. بل يقلص الإمكانيات لمنظومة صغيرة جداً من المرشحين، وإن محاولة تقديم تصور مرئي لهذه الأشكال يمثل تحدياً للباحثين، ولكن لو تم تقديم تصور مرئي على بعدين فيمكنه أن يقدم معادلاً رياضياتياً مقبولاً ومفهوماً يسهل تخيله أو تصوره.

ما هو شكل كوننا المرئي؟

النسبية العامة تخبرنا أن كوننا المرئي محدب أو منحني سواء كان التحدي إيجابياً bosse أو سلبياً أي على شكل تقعر creux وإن تمدد وتوسع المكان في النماذج الرياضياتية للكون التي صاغها فريدمان ولوميتر تطبق كما هي على نموذج كوني كوسمولوجي يتخذ شكل التحدب السلبي أو الإيجابي المشار إليه أعلاه. فبالنسبة للتحدب أو الإنحناء الإيجابي يمكننا أن نستخدم مثال البالون وهو في حالة انتفاخ، فكلما امتلأ بالهواء كلما زاد انتفاخه وتمدد أو توسع سطحه. أما التحدب أو التقعر السلبي فيمكننا تصوره باستخدام مثال ورقة كاوتشوك مطاطة يتم انبعاجها على نحو متسق في كافة الاتجاهات للحصول على التقعر كما هو الحال في رقاقة بطاطا الشيبس لماركة برنغلس Pringles أو شكل سرج الحصان. فلو تخيلنا البالونة وعلى سطحها نقاط تمثل المجرات ونقوم بنفخها فإننا سنشاهد المجرات النقاط تبتعد على نحو متساوي ومتناسق ومنتظم ومتشابه على كامل سطح البالون المنتفخ ولكن في الحقيقة ليست هي التي تبتعد عن بعضها البعض بل سطح البالون الذي يتمدد ويتوسع بفعل الانتفاخ، وهو التصور الذي أعلن عنه هابل لتباعد المجرات سنة 1929.

وهكذا بات لدينا نموذجاً كوسمولوجياً مغرياً ولكن علينا أولا أن نختار ونحدد أي سطح نتبنى. فمن السهل أن نختار كرة تنس أو مكعب ثلج أو مشط أو أي شكل بين أيدينا ونقلبه في كافة الاتجاهات لمعرفة هيكليته الهندسية لكن الأمر مستحيل مع الكون المرئي وبالتالي علينا أن نحزر شكله بواسطة الوسائل المتاحة لدينا. وتقدم لنا معادلات النسبية العامة استراتيجية رياضياتية تختزل التحدب الكوني بقيمة محددة قابلة للرصد والمشاهدة ألا وهي: كثافة المادة، وعلى نحو أدق كثافة المادة/الطاقة في الفضاء أو المكان الكوني. فلو كان هناك الكثير من المادة/الطاقة في الكون المرئي فإن الثقالة أو الجاذبية الكونية سوف تحني المكان على نفسه على شكل كروي sphérique وفي حالة نقص في كمية وكثافة المادة/الطاقة، فإن الفضاء أو المكان الكوني سوف يتحدب سلبياً أي يتقعر على شكل سرج الحصان. وفي حالة وجود القدر اللازم من المادة/ الطاقة فإن التحدب سيساوي الصفر تقريباً أي معدوم nulle. كما تحدد معادلات النسبية العامة تمايزات رقمية واضحة ودقيقة بين هذه الإمكانيات الشكلية الثلاثة. واثبت علماء الرياضيات أن الكمية المضبوطة اللازمة من المادة/الطاقة تسمى الكثافة الحرجة densité critique وتزن حوالي 2 10-29X غرام في السنتمتر مكعب أي ما يعادل حوالي ست ذرات هيدروجين في المتر المكعب، أو ما يساوي قطرة ماء بالنسبة لجسم يساوي حجم الكرة الأرضية. والحال أن ما يحيطنا يتجاوز بكثير الكثافة الحرجة للمادة/الطاقة ولكن لا ينبغي التسرع في تطبيق هذا الاستنتاج على الكون المرئي برمته فالحسابات تصل إلى هذه القيمة من الكثافة الحرجة انطلاقاً من مسلمة تقول أن المادة/الطاقة موزعة على نحو متساوي ومتماثل في المكان الكوني وهو ليس واقع الحال. فالحسابات الرياضياتية الحديثة المستندة لمشاهدات التلسكوبات الحديثة وعمليات الرصد الدقيقة لمساحات شاسعة من الكون، وإضافة كتل النجوم المرصودة وتلك التي يتوقعون وجودها بالحدس أو بالحساب الرياضي وبدراسة حركات النجوم والمجرات، جعلت العلماء يقتنعون بأن النتائج المفترضة لمتوسط الكثافة للمادة الطاقة يقدر بحوالي 27% من الكثافة الحرجة مما يعادل حوالي ذرتين هيدروجين للمتر المكعب للمكان أو الفضاء الكوني المرئي وبالتالي فإن الانحناء المتوقع للكون هو سلبي أي متقعر.

في بداية التسعينات من القرن المنصرم، القرن العشرين، أدرك العلماء بعد تطور وسائل الرصد والمراقبة أو المشاهدة والحساب وعمليات المحاكاة الكومبيوترية، أنهم يفتقدون في حساباتهم لطاقة مجهولة الماهية منتشرة في كل مكان من الفضاء الكوني وكان هذا الاكتشاف بمثابة الصدمة للجميع فما هي هذه الطاقة المجهولة التي تملأ الكون برمته؟ فهي تشبه الثابت الكوني الآينشتيني الذي تخلى عنه آينشتين بعد أن أقحمه عنوة في معادلاته وكان لابد في نظر العلماء إعادة هذا الثابت الكوني على شكل قيمة تقابل هذه الطاقة المجهولة التي سميت بالطاقة المعتمة أو الداكنة أو السوداء.

لكن العلماء لم يكونوا متأكدين من تقديراتهم حتى بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على هذا الاكتشاف الجوهري حول ما إذا كانت هذه الطاقة الغريبة موزعة بالتساوي وبانتظام وبمقادير ثابتة في كل أرجاء الكون أم هي تتغير وتتباين على مر الزمن ومن مكان لآخر في مناطق الكون المتنوعة؟ فالثابت الكوني قيمة لا تتغير في كافة العادلات في حين أن القيمة الرياضياتية للطاقة المعتمة أو السوداء قد تكون متغيرة خاصة وهي لا تتجلى من خلال الضوء ــ من هنا تسميتها بالمعتمة أو الداكنة أو السوداء ــ ولم ينجح أحد قط في تحديد وشرح وتفسير أصل هذه الطاقة الداكنة أو السوداء ولا تركيبتها الجوهرية ولا ماهيتها ولا حتى أي شيء عن خصائصها.

فالحسابات التي أجريت كشفت عن مساهمة هذه الطاقة السوداء في معدل كثافة المادة/ الطاقة بنسبة 73% من الكثافة الحرجة ولو أضفنا ذلك لنسبة 27% من المادة المحسوبة من قبل علماء الفيزياء والفلك فسوف نصل الى نسبة 100% من الكثافة الحرجة أي القيمة المضبوطة والدقيقة من المادة/الطاقة لكون منعدم التحدب أو الانحناء أو ذو تحدب نسبته صفر تقريباً courbure nulle. ومن هنا فالاتجاه السائد حالياً بشأن الشكل الكوني وفق المعطيات المتوفرة هو كون في حالة تمدد وتوسع مستمر ودائم وشكل مسطح وممتد نحو اللانهاية بلا حواف ولا حدود.

الواقع في كون لانهائي:

سبق أن قلنا أننا لا نعلم ما إذا كان الكون منتهي أو لامنتهي ولهاتين الإمكانيتين مكانها في النماذج النظرية وتتوافقان على العموم مع نتائج الرصد والمشاهدات والحسابات الفلكية حتى الأكثر اتقاناً ودقة ومقبولية. من الصعب التحديد في الوقت الحاضر حول أيهما الأكثر علمية من الأخرى. ففي الفضاء المنتهي قد يقوم الضوء القادم من النجوم والمجرات البعيدة بقطع مسافات شاسعة ويدور حول الكون المرئي عدة مرات ويمر بعدة انكسارات وانعكاسات قبل وصوله الى تلسكوباتنا الأرضية.ونفس الشيء عندما تتعاقب الصور المنعكسة من مرآة لأخرى بعد أن يقطع الضوء عدة دورات فلكية ليقدم لنا تعاقباً صورياً للنجوم والمجرات. ولقد بحث علماء الفلك عن صور متعددة لنفس المصدر ولكن بلا طائل. إذ لا يكفي ذلك بحد ذاته لإثبات أن الفضاء الكوني لا متناهي. إن هذا الإشكال يوحي بأنه إذا كان الكون المرئي محدوداً وذو نهاية فإنه قد يكون من الشساعة بمكان بحيث لن يكون للضوء الوقت الكافي لكي يقوم بدورة كاملة حول هذا الكون. وهذا بذاته يشكل تحدياً تجريبياً أمام العلماء. فحتى لو كان الكون المرئي محدوداً فإنه كلما كان شاسعاً أكثر كلما يغدو شبيهاً بكون لا منتهي وغير محدود.

أياً كان الأمر فمما لا شك فيه أنه في وقت ما، غائص في عمق الزمن، كانت المجرات مضغوطة في حيز مكاني غاية في الصغر وغاية في السخونة. وإن مشاهداتنا الحالية لمعدل التوسع الكوني وتحليلنا النظري لمتغيراته على مر الزمن، تتيح لنا أن نقدر مقدار ما انصرم من الزمن منذ الفترة التي كان الكون فيها داخل حبة غاية في الكثافة، وهي الفترة التي سمحنا لأنفسنا باعتبارها فترة البداية، وإن الكون، سواء أكان منتهياً أو غير منتهي، محدود أو لا محدود، فإن آخر التقديرات العلمية تقول لنا بأنها تقدر بـــ 13.8 مليار دولار هي عمر الكون التقديري المفترض اليوم.

قد تكون هناك أهمية ما من معرفة ما إذا كان الكون منتهياً أو لا منتهي، محدوداً أو غير محدود، ففي حالة كونه محدوداً، ولأننا ندرس الكون لفترات زمنية ساحقة في الماضي، فمن البديهي تخيل المكان ـ الفضاء برمته في حالة تقلص وإنكماش أكثر فأكثر. وحتى لو تعطلت الرياضيات وانهارت الحسابات الرياضية في الزمن صفر، فلا يوجد شيء يمنعنا من التفكير والتعامل مع كون عندما يكون موجوداً في لحظات أقرب فأقرب للزمن صفر وفي حيز مكاني أصغر فأصغر. في حين لا معنى لمثل هذا الوصف في حالة أن يكون الكون لانهائياً. فلو كان المكان / الفضاء حقاً لامتناهياً فهذا يعني أنه كان كذلك من الأزل وسيبقى هكذا إلى الأبد. ولو نظرنا إلى التوسع بالاتجاه المعاكس فإن محتواه سيكون مكبوساً أو مضغوطاً أكثر فأكثر، وإن الكثافة تكون مرتفعة وتزداد أكثر فأكثر. بيد أن حجمه الكلي يبقى لانهائياً فنصف اللانهائي بقى لانهائياً كما تقول القاعدة الرياضية. ولو اقتربنا من اللحظة صفر في كون لانهائي فسوف نحصل على كثافة أقوى وأكبر في كل نقطة في حين إن الامتداد المكاني للكون يبقى لا نهائياً.

إن مشاهداتنا ورصدنا العلمي للكون المرئي لا تسمح لنا بالحسم بين كونه منتهياً أو لا منتهي، محدوداً أو غير محدود، فإن العديد من علماء الفيزياء والفلك يفضلون فكرة الكون اللامحدود. وعلينا أن ندرك إن لمعرفة كون الكون المرئي محدوداً أو غير محدود، تداعيات وتبعات جوهرية وانعكاسات مؤثرة على طبيعة وماهية الواقع. ولو اقتنعنا بهذه الحقيقة فسوف نجد أنفسنا في عالم هو واحد من بين عدد لامتناهي من العوالم.

الجذور الفيزيائية لفرضية التعددية الكونية الميتافيزيقية:

للدماغ البشري حدود إدراكية معروفة لدينا اليوم وقدرة تصورية تستند على الشواهد المرئية والملموسة بيد أن هناك ظواهر عديدة لا يمكن الركون فيها إلى قدرة الدماغ باعتبارها لا تدخل ضمن ما يعرف " سبق وأن رأينا مثله أو هناك ما هو موجود مثله déjà vue بل هي ضمن ما يمكن تصنيفه بشبه المستحيل الذي يتعذر رؤيته أوما لم نره قط jamais vue فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما تقوم بوصف مكان ثلاثي الأبعاد لأحدهم يمكن أن يبذل جهداً لتخيله لأنه يملك رديفاً تخيلاً في دماغه محدداً بالأبعاد المكانية الثلاثة، ولكن عندما تحدثه عن مكان فيه أحد عشر بعداً مكانياً كما تقول بذلك نظرية الأوتار الفائقة، فإن الدماغ البشري يعجز عن ترجمة ذلك إلى صورة هندسية مألوفة. لذلك ليس من السهل على الإنسان الحالي تقبل نظريات فيزيائية علمية تتحدث عن تعدد العوالم وتعدد الأكوان والأكوان المتوازية رغم اعتماد النظريات الفيزيائية على حسابات رياضياتية ومعادلات رياضية وأدلة علمية وفرضيات علمية قابلة للبرهان التجريبي. حتى آينشتين بدماغه الخارق والمتقد وقدرته التخيلية عجز عن تقبل ذلك خاصة فيما يتعلق بموضوع الثقالة الكمومية.

حاولت نظرية الأوتار الفائقة توحيد القوى الجوهرية الكونية الأربعة بغية تقديم حل لمعضلة الثقالة الكمومية من خلال افتراض وجود وحدات بنائية مادية أصغر مما هو مكتشف لحد الآن وفق نظرية الغشاء théorie de Brane وافترضت أن الكينونات الأولية المكونة للمادة هي أوتار مفتوحة أو مغلقة تتذبذبن ووفق ذبذباتها تتحدد طبيعة وخصائص الجسيمات الأولية التي نعرفها مثل البروتونات والنيترونات والالكترونات لكن هذه النظرية لم ترق إلى مستوى نظرية كل شيء الجامعة والشاملة لكل النظريات القائمة والتي تفسر كل شيء في الكون المرئي أو المنظور. كرس كثير من العلماء جهودهم وأبحاثهم طيلة سنين عديدة وهم يعملون على معادلات رياضية معقدة بغية العثور على المقابل الرياضياتي للنظرية الفيزيائية الأكمل ذات الأحد عشر بعداً حيث سيتم بفضلها إثبات أن كل النظريات السائدة تكمل بعضها بعضاً. وبالتالي افترضوا أن مادة الكون كلها متصلة ببعضها البعض ببنية واحدة أو بنسيج واحد هو الغشاء الكوني كما قالت بذلك النظرية م théorie M.

المشكلة التي واجهت العلماء هي هل تسري قوانين الكون المرئي أو المنظور فقط في الأبعاد الثلاثة المنظورة والمرصودة للكون المرئي أم يمكن تطبيقها على الأبعاد غير المرئية المفترضة؟ فالجاذبية أو الثقالة مهمة وأساسية في اللامتناهي في الكبر لكنها مهملة أو شبه معدومة في اللامتناهي في الصغر كما كان يعتقد العلماء في القرنين الماضيين لكن عالمة الفيزياء ليزار أندال عملت على إيجاد تفسير منطقي ومقبول لهذه المسلمة التي تقول بضعف الجاذبية مقارنة بالقوى الثلاثة الأساسية أو الجوهرية الكونية الأخرى في المستويات اللامتناهية في الصغر، وخاضت في محاولات رياضياتية معقدة ووضعت معادلات عديدة فوجدت أن الجاذبية أو الثقالة تتسرب من غشاء آخر في البعد الحادي عشر إلى كوننا المرئي مما يعني أن وجود غشاء آخر يدل على وجود كون آخر غير مرئي قد يكون موازياً أو متداخلاً مع كوننا المرئي لكن اكتشافها هذا أثار فزع زملائها الفيزيائيين لأنهم يخشون الخوض في الفرضيات الميتافيزيقية أو الماورائية وعلى الأخص صعوبة تقبل أطروحة وجود أكوان أخرى، بيد أن علماء نظرية الأوتار أقروا بصحة هذا الاستنتاج خاصة أولئك الذين يبحثون عن كيفية نشأة الكون وأصله.

إن تقبل فكرة وجود أكوان أخرى تفرض علينا أن نتقبل ماهية أخرى للمكان الذي يوجد فيه كوننا المرئي أو المنظور وهو المكان الممتد إلى ما لا نهاية حيث بإمكانه أن يستوعب عدداً لا متناهياً من الأكوان- الجسيمات. فكل كون مثل كوننا ما هو إلا جسيم أولي لامتناهي في الصغر في هذا المكان المطلق الذي يشكل الكون المطلق. وهناك نسخ متعدد لكوننا و نسخ لنا نحن في العديد من تلك الأكوان الأخرى مثلما يوجد شبيه لكل واحد منا طبق الأصل عنه بعدة نسخ في كرتنا الأرضية بل في كوننا نفسه. هذا في ما يتعلق بالمكان والأمر ذاته ينطبق على الزمان فهو ليس كما نعتقده بمثابة سهم يسير باتجاه واحد وبانتظام وبإيقاع منتظم أمد الدهر من الماضي إلى المستقبل مروراً بالحاضر. إنه صيغة أخرى للمكان، بمعنى آخر يمكن أن يتحول الزمان إلى مكان والعكس صحيح حسب النظرية النسبية لآينشتين. وهناك قانون في هذه النظرية يقول بتباطؤ الزمن مع السرعة فكلما ازدادت سرعة الشيء تباطأ الزمن بالنسبة لهذا الشيء وهو ما يعرف بمفارقة التوأم، ومفادها لو أن شقيقين توأمين بنفس العمر أحدهما استقل مركبة فضائية تسير بسرعة هائلة قريبة من سرعة الضوء لفترة زمنية قصيرة لنقل شهر أو سنة أو بضعة سنوات معدودة، فعند عودته إلى الأرض يكون قد مر عليه فترة الرحلة فقط أي أسبوع أو شهر أو سنة، أي هو لا يشيخ سوى أسابيع أو أشهر أو بضعة سنين، في حين يكون قد مر على شقيقه التوأم مقابل الأسابيع بضعة سنوات ومقابل الأشهر عشرات السنين ومقابل السنوات القليلة عدة قرون، ويكون هذا الشقيق الذي بقي على الأرض قد مات وترك أحفاده أو أحفاد أحفاده ليلتقوا بشقيق جدهم التوأم وهو بزهوة الشباب. مثلما تقول النسبية أن كتلة الشيء تغدو صفراً عند بلوغها سرعة الضوء وفي حالة تجاوز حاجز سرعة الضوء وهي 300000 كلم في الساعة، فسيكون بإمكان هذا الشيء السفر والترحال عبر الزمن والعودة للماضي أو الذهاب للمستقبل.

يتبع