&ثمة شعب يبلغ تعداده أكثر من 40 مليون نسمة، يعيش على أرضه منذ آلاف السنين، لم نرَ في أي من الكتب التاريخية، التي تتحدث عن سيرة الشعوب و المجتمعات البشرية و تدون حقائقها و مآثرها، أو إنتصاراتها و إخفاقاتها، أية إشارة الى إعتدائه على أي شعب آخر، أو أحتلاله لأراضي دول ما، أو قيامه بتهجير الغير و ترحيلهم، أو الشروع في قتل و ذبح الناس، أو أية جرائم أخرى مألوفة و واردة في الدساتير و القوانين الدولية.

&أنه شعب مسكين، بالمعنى العامي للكلمة، مُجرد تماماً من فعل كل ما يُعتبر إجراماً و إنتهاكاً لحقوق عباد الله. نعني هنا الشعب الكُردي، الذي – ربما يعرف الكثيرون بذلك - بأنه شعب مسالم، خدم الإنسانية و الإسلام على وجه التحديد، قدم أفضل علمائه و أبطاله و أبنائه من أجل نصرة الآخرين لا نفسه!، ليس لأنه لم يكُن جديراً بها، و إنما لأن المحتلون و الغزاة لم يسمحوا له أساساً أن يعرف نفسه و يرسي معالمه، أو يُكَوَّن ذاته و يقف على قدميه.

&الأسوأ من ذلك كله، هو أن الجميع، بلا إستثناء، وقف ضد الكُرد و ضد تطلعاته بلا رحمة: الغرب و الشرق، العرب و العجم، الفُرس و التُرك و كل من بنى إمبراطورياته و مستعمراته، أو دوله و أقطاره على حساب هذا الشعب و إحتلال بلاده و قهر عباده، أو ثرواته و خيراته، أو قدراته و طاقاته.&

&أن التاريخ يقول لنا أن الكل أجحف بحق الكُرد و ظَلَمَه، و لم نلمس، عبر التاريخ، من يأتي و يبادر لمساندة الكُرد بدافع الإنسانية، أو بناءاً على الروابط الدينية و الحضارية، الإ حينما تتحول القضية الكُردية، كما كان الحال، خصوصاً في القرن العشرين، الى لعبة أو ورقة مُغرية في حلبة الصراعات الدولية و الأقليمية، يتم إستغلالها و توظيفها بشتى العناوين لمرامٍ إستعمارية و عدوانية، أو لمآرب سياسية و أستراتيجية، دون أن تخدم أي منها، في النهاية، مشروعية القضية، أو تُنصِف هذا الشعب و تؤدي به الى الخلاص و نيل حقوقه المهضومة.

&لا نود هنا طبعاً أن نُفَسر هذا القدر المشؤوم للكرد بالوقوف وحسب على مظالم الإستعمار و قساوة المحتلين والمُهَيمنين على أقدار الشعوب و حصر الأمر بهم، و لانؤيد ذهنية إصطفاء الذات و تبرئته و اللقاء اللوم على الغير فقط، و قد لاتشاطرنا في ذلك حتى مقتضيات التفكير العلمي في دراسة الأمور و الأحداث. نحن هنا نذكر هذه المسألة بأبعادها المختلفة، و هذا يستدعي منا أن لا نحجب وجوه أخرى متعلقة بحيثيات المسألة و خلفياتها.&

&بمعنى آخر، نحن نعي تماماً بأن الشعب الكُردي نفسه، هو الآخر، لم يكن بمستوى المتغيرات و الأحداث التاريخية، التي أعطتها فرصاً ثمينة لتحقيق أهدافه القومية مثلما حققتها الشعوب و القوميات الأخرى، و نعلم أن مرد ذلك هو أن هذا الشعب، إن كان بفعل الإمبراطوريات المتحاربة في المنطقة أو سياسات الإستعمار في تقسيم الشعوب و تفتيتها، لم يكن موحداً و متماسكاً على مستوى الخطاب و السياسة، أو الصراع و المواجهة مع الأعداء، و أنما ظل غالباً في قوقعة النزاعات الداخلية القائمة على النزعات الحزبية و القبلية و المناطقية، و ذلك ربما لأسباب أخرى، هي ذاتية بالدرجة الأولى، أبرزها يتعلق، قبل كل شيء، بالتركيبة السوسيولوجية للمجتمع الكُردي فضلاً عن الواقع الطوبوغرافي و المكانة الجيوبوليتكية المعقدة التي قدرت لها الطبيعة.

&نحن نعلم بأن الخلافات و الإنقاسامات الكُردية الداخلية في الحقب التاريخية المختلفة، ساهمت بشكل كبير في توجيه القدر السياسي الذي يعيشه الكُرد في أجزاء كردستان الأربعة. كانت هناك دوماً عوامل داخلية/ذاتية تُغذي بإستمرار العوامل الخارجية / الموضوعية في ما تعرض له الكُرد عبر تاريخه العريق، و لايمكن لأحد أن يحجب هذه الحقيقة المرة، التي لاتزال قائمة بأشكال أخرى حتى و إن بدت لنا، في بعض الظروف، و كأنها زالت و حل مكانها حقائق أخرى!. نقول هذا بحق أنفسنا الى حد جلد الذات و لا نخشى من الإقرار به، و لكن نعي معه، في الوقت ذاته، أن الآخر/ العدو/ المُستعمر/ الغازي، الذي يشكل الطرف المُهيمن في المعادلة و المُسيطر على مصير شعبنا، هو من يقف – في النهاية- وراء إقصاء الكُرد التاريخي من حقه في تحقيق مصيره، و هو المسؤول أيضاً عن بقاء هذا الشعب لحد اليوم كشعب مقسم و مجزء الى أجزاء متعددة و متشرذمة.&

&العامل الخارجي، المتمثل في الآخر المستعمر و المحتل، لم يكن عاملاً حاسماً فيما تعرض له الكُرد فحسب، و إنما يمثل لنا أيضاً مدى قساوة الإستراتيجيات السياسية و الإقتصادية الدولية، التي فضلت كل هذه القرون و العقود أن يكون الشعب الكُردي بلا كيان و دولة و أن يبقى على حاله المأساوي كضحية لبقاء الخواريط السياسية الموضوعة للمنطقة وفقاً لمصالح الإستعمار و الدول المصطنعة التي أفرزها!. نعم نحن ندرك جيداً مدى إجحاف العالم بحقنا، و قد قرأنا التاريخ بما فيه الكفاية، في العقدين الماضيين، كي نفهم الأسباب البنوية و الظرفية التي تقف وراء القدر المفرض علينا و على أجيالنا المختلفة الى يومنا هذا، و قد دوّنا، هذه المرة، هذا التاريخ، بلغتنا و مفهومنا و وقائعنا و حقائقنا لا بلغة المحتلين و المتآمرين أو الغزاة و المستعمرين، الذين شوهوا مشروعية القضية الكُردية و أعتبروها مجرد مشاكل تتعلق بأقليات معينة في المنطقة، و كل ذلك نتيجةً لغيابنا نحن على مسرح الأحداث الدولية كفاعلين و لاعبين لا كأداة في المخططات الخارجية للدول الغربية و العربية و الإسلامية.

&الكُرد و منذ عام 1991م، أي بعد أنتفاضة الجزء الجنوبي من كردستان" كردستان العراق" أصبح لاعباً حقيقياً في المعادلات الدولية و الأقليمية في المنطقة، و قد تجاوز منذ ذلك الحين مرحلة الثورة و النضال المسلح الى مرحلة الحكم الذاتي و أدارة مناطق كبيرة من أرضه التاريخية، و بفضل إرادة الشعب أقام مؤسسات وطنية من حكومة و برلمان و جيش ليمثل نفسه أمام العالم و دول المنطقة و يثبت جدارته في أن يحكم نفسه بنفسه، بل و يدعم ايضاً من خلال تجربة كُردستان العراق الأجزاء الأخرى من كردستان. و ها هو اليوم و على أرض الواقع، تشهد القضية الكُردية من جديد بروزاً دولياً قل نظيره، و أصبح للكُرد أصدقاء و حلفاء بفضل عدالة قضيته و دفاعه عن أرضه و كرامته بل الدفاع عن العالم بأسره من خلال مواجهته لأبشع الجماعات الهمجية في التاريخ الحديث ألا و هو تنظيم داعش الإرهابي كما هو الحال اليوم في كوباني و كردستان العراق.

كاتب و باحث من كردستان العراق

&