بعد تخلي رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي عن استحقاقه الانتخابي، لم يعد لأولئك الذين علقوا دعمهم للعراق والحكومة العراقية على رحيله أي عذر في التلكؤ والاستمرار في خصومة الحكومة العراقية.
&
لا يختلف اثنان على وجود مسؤولين عراقيين منغمسين من أعلى رؤوسهم الى أخمص أقدامهم بالفساد، ولا يختلف اثنان على ان هناك مسؤولون غير كفوئين وليس لهم أي مؤهل في ادارة البلاد والعامل الوحيد الذي أوصلهم الى مناصبهم التي فيها هي المحاصصة السيئة الصيت، ولو أردنا عد ثغرات الحكومة لطال بنا المقام، ولكن هل من العدل أن نمسك في الوقت الراهن بايدينا معولا ونبدأ بهدم الحكومة التي اكتمل بناؤها بشق الأنفس؟&
&
الظرف الذي يمر به العراق ليس سهلا وبسيطا، فكل المؤشرات تبرهن على أن "داعش" ستتمدد الى سائر المدن والمحافظات العراقية مجرد أن تتاح لها الفرصة، ولسنا بصدد بل لا ينبغي لنا بحث أسباب احتلال "داعش" للموصل، لأن ذلك سيدخلنا في دوامة إلقاء اللوم على الآخرين والدفاع عن النفس وبالتالي يشغلنا عن قضيتنا الجوهرية وهي التصدي للخطر الذي يجثم على صدورنا.&
&
أغلب الدول التي علقت دعمها للعراق على رحيل المالكي وتشكيل الحكومة الجديدة أوفت بوعدها وها هي اليوم تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب على "داعش" بمعنى آخر أنها تقف الى جانب الحكومة العراقية في الوقت الراهن.
&
أليس من المعيب أن ينتفض العالم برمته ليقدم الدعم سواء المباشر أو غير المباشر للعراق بينما بعض العراقيين لا يهمهم ما يجري على وطنهم، ولا شيء يشغلهم سوى التذمر وتوجيه الانتقادات، وتسقيط هذا الفريق أو ذلك ليرفع من شأن فريقه.
&
استغربت جدا عندما تعالت بعض الأصوات التي طالبت باسقاط العبادي بينما لم يكد الرجل يستلم مقاليد السلطة، لا شك ان الآلام كثيرة ولا يندمل جرح الا وينفتح آخر، وكم من وعكة تحولت الى مرض مزمن ولكثرة الامراض ما عاد الجسد العراقي يتألم من الوعكات، ولكن هل الوقت مناسب لتوجيه خناجرنا الى بعضنا بينما عدونا قطع جزءا من جسدنا.
&
لا أدعو الى لجم الأفواه أو بسل العيون أو صم الآذان، ولست من أولئك الذين يطالبون بوقف اطلاق النار على الحكومة وايقاف حرب تقييمها وتقويمها وانتقاد اخطائها واعلان السلام الدائم معها، وانما ادعو الى هدنة مؤقتة وتحشيد كل الطاقات لمواجهة "داعش"، أدعو الى تأجيل المعركة معها حتى يستطيع العراقيون القضاء على الجراثيم التي تغزوهم وشلت أحد أعضائهم.
&
ادعو الى فتح نيران النقد البناء بضراوة على الحكومة العراقية وكل مسؤول عراقي بما فيهم أعضاء البرلمان، اذ لا يمكن للعراق أن يزدهر ويتقدم ويتطور من دون وجود معارضة سواء فردية أو جماعية تتبلور على شكل أحزاب وتنظيمات، ولكن ليس في الوقت الراهن وانما عندما يقضي العراق على جميع الارهابيين.
&
ليس العراق وانما كل البلدان بحاجة الى وجود أحزاب معارضة تراقب أداء الحكومة وتنتقد أخطائها وتقوم بسد ثغراتها، بل مهمة الأحزاب المعارضة اظهار أخطاء الحكومة وتوجيه الانتقادات لها أمام الرأي العام ليتخذ موقفه منها، للأسف الشديد تستخدم بعض الأحزاب وسيلة الاعتراض وتوجيه الانتقادات والتهديد باخراج الناس الى الشوارع من أجل ابتزاز السلطة وارغامها على تقديم المكاسب والامتيازات، ولذلك نرى ظاهرة تحول المعارضين الى موالين للحكومة طالما تتكررت في عالمنا الثالث بما في ذلك العراق، هذا دليل واضح على أن هذا المعارض لا يهمه الشعب وانما مصالحه الخاصة ومجرد أن تحققت توقف عن الاعتراض.
&
ليس عيبا أن يبذل المعارض كل ما في وسعه بما في ذلك الهجوم على الحكومة وتعريتها ونشر اخطائها من أجل الوصول الى السلطة، ولكن من العيب أن يمارس ذات الاخطاء التي تمارسها الحكومة، وتذوب كل الخلقيات التي دعا اليها مجرد دخوله للسلطة واستلامه لمنصب ما، لذلك فان من أبرز المشاكل التي تعاني منها العملية السياسية في العراق هي أسلوب الترضيات التي تمارسها الحكومة تجاه هذا أو ذاك.
&
سيبقى العراق يعاني من الآلام والمشاكل ولن تقوم له قائمة ما دام يفتقد الى معارضة حقيقية ووطنية، فعلى المعارضة ان تبقى معارضة حتى يوم الانتخابات، لا أن تتخلى عن اعتراضها وتصبح موالية في منتصف الطريق وتنضم الى الحكومة، بعض المعارضين العراقيين عندما ينضم الى الحكومة، يبرر ذوبانه في الحكومة وعدم تصحيح اخطائها بأنه لا يمتلك أية صلاحيات، فيا ترى مالذي يبقيه في حكومة لا تمنحه أية صلاحيات وتقيد تحركه ولا تسمح له بخدمة الشعب وحل مشاكله، أليس لأنه كان يعترض على الحكومة من أجل تحقيق بعض المكاسب من بينها الانتماء لها وعندما حققها ما عاد يهمه شيئا؟
&
وبكلمة، فان وجود شخصيات وأحزاب معارضة سلمية في العراق ظاهرة حضارية وعلى كل عراقي مخلص ان يرحب بها، ولكن عليها في الوقت الراهن أن تعلن هدنة مؤقتة مع الحكومة ثم تستأنف معارضتها عندما يقضي العراق على الارهابيين.
&