المصري في السودان والسوداني في مصر لا يشعران بغربة، بل يشعران بالدفء والود فلا تكاد تميز بين هذا ولا ذاك، هكذا كان شعوري في المرة التي زرت فيها السودان، شعب السودان يتميز فطريا بالطيبة والنقاء، وربما يستغل هذه الصفة من يصطادون في المياه العكرة، الرئيس عمر البشير اطلق تصريحات مثيرة بشأن "حلايب وشلاتين" وحين زار القاهرة لم نسمع ذكرا لهذه القضية، والمصلحة تقول إن ما بين البلدين أكبر من إثارة قضايا خلافية قد تجد طريقها إلى الحل في يوم من الأيام.

السودان يحتاج إلى مصر ومصر تحتاج الى السودان والعلاقة القوية بين الشعبين تعود لصلة الجوار والنسب والمصاهرة، فحدود مصر مع السودان تمتد الى نحو 1273 كيلو متر مربع، وهناك علاقات زواج بين مصريين وسودانيين بما يدعم حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، ويشكل السودان عمقا استراتيجيا لمصر من ناحية الجنوب، ويمثل استقراره جزءاً من الامن القومي المصري.

ولا حاجة الى القول ان السودان يمكن أن يكون سلة غذاء للعالم العربي، فهو يتميز بمساحات شاسعة من الاراضي الخصبة، وتبلغ مساحة الأرض الزراعية فى السودان 200 مليون فدان، المستغل منها الآن 15% فقط، أى ما يعادل 30 مليون فدان فقط، الامر الذي يجعل السودان كنز العرب المفقود، وحان الوقت لزراعة هذه الأراضي، والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من القمح والذرة والقطن، وانشاء صناعات تقوم على تلك المحاصيل الزراعية مثل صناعة السكر والغزل والنسيج والزيوت النباتية.

قوى الشر تعرف جيدا أهمية السودان للعالم العربي فعملت على تقسيمه إلى شمال وجنوب، وساهمت الساسة في هذا الامر، فلم ينعم هذا البلد بالاستقرار منذ استقلاله عام 1956 وقعت 13 محاولة انقلابية، أول انقلاب قاده الفريق "إبراهيم عبود" في نوفمبر 1958ضد حكومة "إسماعيل الأزهري"، والأخير انقلاب "عمر البشير" في يونيو 1989 بمساعدة زعيم الجبهة الاسلامية القومية "حسن الترابي"، ثم سرعان ما انقلب البشير على الترابي، وتعرض نظام البشير لعدة محاولا انقلابية باءت جميعها بالفشل، ليكون نظام البشير، ومن قبله نظام "جعفر نميري" الذي حكم منذ عام 1969 من أطول أنظمة الحكم في تاريخ السودان.

أطاح البشير بحكومة "الصاق المهدى"، وسرعان ما كشف الإخواني "حسن الترابي" عن وجهه المتمسح بالدين، وتسلل إلى القوات المسلحة، وخضع السودان للحكم الإخوانى الذى أخذ يعمل على أخونة كل المناصب والمراكز الحساسة فى السودان، اعتقل حسن الترابي وغاب عن الحياة السياسية، وفى ظل البشير انفصل جنوب السودان عن شماله، بعد أن عانى أهل الجنوب من سياسات تمييزية شجعت انفصال الجنوب المسيحى بدعم غربي،، ثم ظهرت مشكلة “دارفور” غرب السودان، ليس على خلفية دينية هذه المرة، وإنما على خلفية صراع عرقى، انتهي باتهام محكمة الجنايات الدولية للرئيس "عمر البشير" بارتكاب جرائم حرب فى دارفور.

وسط هذه المشكلات لم يكن غريبا أن يثير الحكم السودانى قضية “حلايب وشلاتين” لإثارة نعرة وطنية سودانية، فى حين أن حقائق التاريخ تثبت مصرية هذه المنطقة، فالسودان كان خاضعا للحكم الثنائى المصرى- البريطانى، وحددت اتفاقية 1899 الحدود بين البلدين بخط العرض 22 لكن وزير الداخلية المصرى أصدر عام 1903 قرارات بوضع بعض المناطق إداريا تحت الحكومة السودانية، دون أن ثؤثر على سيادة مصر سياسيا عليها، وايا كان الخلاف، فلا غني لمصر عن السودان ولا غنى للسودان عن مصر.

&

إعلامي مصري