يتفاءل البعض ومنهم التحالف العربي الدولي بأنّ غارات هذا التحالف الجوية على مواقع داعش في سوريا والعراق سوف تقضي على المدّ الداعشي. وهذا تفاؤل ليس في محله تنفيه بشكل قاطع تجارب الماضي المماثلة في مواجهة تنظيمات شبيهة بداعش أو ولدت داعش من رحمها، كما تنفيه وقائع مجتمعية عربية داعمة لداعش ومصفقة لممارساتها التي يستنكرها البعض متناسين أنّها كانت وما زالت ممارسات سائدة في مجتمعات عربية بشكل علني منذ عشرات السنين دون أن تواجه بهذا الاستنكار الذي واجهته ممارسات داعشن وكأنّ بوصلتهم تقول: حلال على مجتمعات عربية حرام على دولة داعش.

دعم نسبة من المجتمعات العربية
هذه الحقيقة المعاشة ميدانيا خاصة في سوريا والعراق لا يمكن نفيها ولا تحتاج إلى جهد لإثباتها، فهي مثبتة من خلال التساؤل: من أين جاء ألاف الشباب الذين يشكلّون جيش داعش، هذا الجيش الذي انهزم وهرب أمامه الجيش العراقي سواءا بأوامر من قيادته أو خوفا وجبنا؟. ألاف الشباب هؤلاء جاءوا من غالبية المجتمعات العربية ولا أعتقد انّ هناك مجتمعا أو جنسية عربية لا تجد العشرات أو المئات منها بين هذا الجيش الداعشي. ويكفي أنّ رئيس الوزراء الأردني الأسبق "معروف البخيت" قال صراحة في محاضرة في العاصمة الأردنية عّمان مساء السبت (18 أكتوبر/تشرين الأول): أنّ "التقديرات الأقرب للواقعية تشير إلى أن ما بين ألفين إلى أربعة آلاف سلفي أردني ينتمون للتيار التكفيري"، مؤكدا أن "نحو 1300 منهم يقاتلون في العراق، قتل منهم ما يزيد عن مائتي عنصر". وهناك بعض هذه الشخصيات التكفيرية من ذهب صراحة وعلانية وبفخر وزهو للإلتحاق بجيش داعش في سوريا، وكأنّه قد التحق بجيش عربي على أبواب القدس لتحريرها من الاحتلال الصهيوني. هذا المفتخر بداعشيته هو السلفي الأردني "سعد الحنيطي" وكان قد سبقه أو معه في الوقت نفسه سلفي أردني آخر هو "عمر مهدي آل زيدان". وكذلك من مصر حيث كشف خبراء لموقع الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله" عن أن هناك نحو 10 آلاف مصري يقاتلون في سوريا والعراق منهم نحو 1700 انضموا لتنظيم "الدولة الإسلامية، داعش"، وأيا كانت الدقة في هذه الأرقام فأنّ كافة الشواهد عبر الخلايا النائمة والفاعلة في مصر تؤكد أنّ هناك نسبة عالية من الصحة في هذه الأرقام، حيث كان نسيج المجتمع المصري منذ سبعينات القرن الماضي هو المنتج لبدايات الفكر السلفي التكفيري، ويكفي تذكر منظّرّهم القيادي في تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري" قد أعلن بالصوت والصورة تأييده لداعش ومبايعته لقائدها أبي بكر البغدادي أميرا للمؤمنين معتبرا أنّ هذا البغدادي الإرهابي بامتياز مشين أحد قادة المسلمين. فإذا كانت هذه الشخصيات السلفية التكفيرية من أعضاء داعش ومبايعيها، فكيف نلوم الشباب الجهلة الذين غالبيتهم دون سن الخامسة والعشرين ولم يكملوا دراستهم للمرحلة الثانوية؟

ومن تونس وغيرها مجاهدات النكاح،
وهذا ليس فبركة وادعاءا فقد جاء على لسان وزير الداخلية التونسي "لطفي بن جدو" في جلسة مساءلة علنية أمام البرلمان التونسي نقلها التلفزيون الرسمي اعترف فيها بأنّ فتيات تونسيات سافرن إلى سوريا تحت مسمّى "جهاد النكاح" وأنّ بعضهن قد عدنّ إلى تونس وهنّ حوامل. وقد تم بث العديد من الفيديوات على اليوتيوب لفتيات اعترفن بهذا الجهاد، وأنّ بعضهن مورس معهن هذا الجهاد عشرات المرات من مجاهدي داعش الأشاوس.

ومن ينكر جرائمهم وسبيهم للنساء الإيزيديات؟
هذه الجرائم التي لا ينكرها أحد بما فيهم أولئك المجرمون الداعشيون الذين يفتخرون بسبيهم هذا وبيعهم للنساء المعتقلات للمجاهدين كي يرتاحوا جنسيا ويتفرغوا للجهاد بإسم الإسلام والمسلمين..ويكفي ذلك الاتصال الذي تمكنت أسيرة يزيدية لدى الدواعش إجراءه بمقاتلي البيشمركة الكرد راجية منهم أن يقصفوا المبنى الذي توجد فيه أسيرة مع عشرات من الفتيات والنساء كي تموت وترتاح، لأنّ أولئك المجرمين يغتصبونها عند الصباح فقط ثلاثين مرة لدرجة أنّها اصبحت مريضة عاجزة عن التبول أو دخول الحمام، مؤكدة أن بعض الفتيات المغتصبات تمكّن من الانتحار لأنّ الموت أفضل من هذه العبودية الجنسية التي لا تمارسها الحيوانات مع بعض.

وأحكام داعش شبيهة ببعض أحكامنا،
فلماذا نستغرب ونستهجن قيام مجرمي داعش بقص الرؤوس والجلد والرمي بالحجارة؟. وهي نفس التطبيقات في بعض الأحكام السارية في بعض البلدان العربية والإسلامية. فكيف تطبق الأحكام على مرتكبي الزنا أو الإعدامات في هذه البلدان؟. ففي بعض هذه الدول يتم الإعدام رميا بالرصاص أو شنقا بالحبال أو قطعا للراس بالسيف ويتم ذلك علانية أمام حشد من المتفرجين...أليست هذه نفس ممارسات داعش وأخواتها؟. وكذلك الجلد يتم في هذه البلدان وفي دولة داعش مستندين إلى آية في القرآن (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ)..وحتى الرجم بالحجارة هناك شيوخ يقولون أنّه ورد في آية في القرآن تمّ نسخها.

لذلك لا تحلموا بنهايتها فداعش باقية متمددة،
نتاج مجتمعاتنا أيا كانت نسبة الترحيب بها أو الرفض لها، فلم يحدث في تاريخ الخلافات العربية الإسلامية ( أموية، عباسية، فاطمية، أندلسية، عثمانية) أن انهارت سريعا بل استمرت كل واحدة منها مئات السنين رغم قتال أعدائها لها، وشهدت كلها أنواعا من الممارسات الشبيهة بشكل أو آخر بممارسات داعش. لذلك فالغارات الجوية للتحالف العربي الدولي لن تقضي على داعش بالسرعة التي يتمناها البعض. وقد جاء هذا التأكيد على لسان قادة هذا التحالف الأمريكان، فقد أعرب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور "جون ماكين" عن اعتقاده بأنّ تنظيم داعش ينتصر وأنّه قادر على فرض سيطرته على مطار بغداد، وقال حرفيا وهو العضو في لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الأمريكي : " هم ينتصرون ، ونحن لا ننتصر. العراقيون لا ينتصرون. قوات البشمركة والأكراد لا ينتصرون. ولا بد من مراجعة لما نقوم به، فنحن لا نضعف التنظيم بهدف هزيمته حاليا". أمّا الجنرال "جون آلن" منسق التحالف الدولي لمواجهة داعش فقد قال: " إنّ استعادة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية سيستغرق عاما...وأنا أقول لا يمكننا تحمل ذلك "..إذن فالموصل باقية بيد خليفة المسلمين ودولته وتمددها قادم.....& فلنعترف فقد دخلنا (الزمن الداعشي ) ولن ينجينا منه أن نختبأ في أنابيب المجاري كما فعل عميد الحكام العرب القذافي في أكتوبر عام 2011 ، أو كما قال الشاعر المصري صلاح عبد الصبور قبل 42 عاما:

لن ينجيَكم أن تختبئوا فى حجراتكمو
&أو تحت وسائدِكم.. أو فى بالوعات الحمّامات

فداعش قادمة وهي بيننا أساسا في الفكر والممارسة والبرامج التعليمية والثقافية، فليحدّد كل واحد منّا أين سيختبىء..رغم أنّ النتيجة واحدة!!!.
www.drabumatar.com

&