أطلق مرصد نساء سورية حملة 29 تشرين الأول يوم عالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف عام 2009 ولكن وفي ظل الظروف السياسية الراهنة التي تعصف بسورية. لا أعتقد أن العمل على تغيير الوعي المجتمعي بهذه القضية.. تمهيدآ لتغيير مواد القانون المتصلة به تاخذ الأولوية التي تستحقها.. ولكني أتمنى أن تتقدم المنظمات النسائية في المنطقة العربية بحملها وتوصليها إلى الأمم المتحدة لتثبيت 29 أكتوبر من كل عام كيوم عالمي للتضامن مع الضحايا.. وهنّ كثيرات في المنطقة العربية كلها.. ليبقى الضوء مسلطا على قضية من أهم قضايا العنف الأسري.. والمجتمعي تتواطىء فيه الحكومات العربية برفض تعديل المواد القانونية الحالية التي تدعو إلى تخفيف العقوبة على الجاني في قضايا قتل الشرف.. وتشديدها وإعتبارها جريمة ’متعّمّدة متكاملة الأطراف.. ولا زالت تتراود في أروقة البرلمانات العربية كما في تقرير الجزيرة عام 2003 بأن البرلمان الأردني رفض تغيير العقوبة ’مدّعيا بأنها تخالف التقاليد الدينية الإسلامية..؟؟؟&

يتنصل فقهاء الدين من دورهم في نشر ثقافة مجتمعية تبرر بل وتحلل الجريمة. بالقول.. أولا هذه الجريمة موجودة في كل المجتمعات.. في أي بيئه وأي زمان ومكان.. متناسين بأنها وفي تلك المناطق الجغرافية البعيدة ’تعتبر جريمة متكاملة الأطراف ’يعاقب عليها الجاني بأشد العقوبات.. سواء كان رجل أم إمرأة. بينما ترك المشرع في العالم العربي الباب مفتوحا للرجل لتفادي العقوبة في مثل هذه الجريمة..

&ثم ومرة أخرى يعاودون تنصل الدين منها كجريمة.. وهم محقون في ذلك لأنها لم ’تذكر في اي من الآيات القرآنية الكريمة.. ولكنهم ’يخفون بل ويتنصلون من دورهم الفقهي في تفسير الآيات في لغة تحريضية متناسين ومتجاهلين لقوة كلمتهم المكرره في التأثير على الوعي وبرمجة العقل والتحكم في السلوك الفردي. بحيث تتناقض التفسيرات مع المقصد الإلهي الرحيم وتعزز لثقافة مجتمعية عنفية سلبية تتناقض مع المبادىء الإنسانية والقيم العالمية.. بدلآ من الإرتقاء الإنساني الذي نحن أحوج ما نكون إليه...&

يبدأ تفسيرهم """ بضرورة أن تغطي الشريعة الإسلامية المجال الذاتي والحيوي للفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وفي هذا الإطار يتأسس نظام الشريعة وقانونها. مرتكزة على الأوليات العقلية، وبها يعرف الإنسان في داخله ميزان العدل... وأن الشريعة الربانية هي المصدر الفاصل في تمييز الحق من الباطل، والخير من الشر، والحسن من القبيح """.&

ردي على ذلك.. هل القتل بالإدعاء بغسل العار والإنتقام للشرف يدخل في الأولويات العقلية بحيث ’يعطي الفرد الإحساس بالعدل حين يرتكب جريمته.. إن تغيّر الزمان والعصر ’يحتم علينا مراجعة وتطوير هذه الشريعة الربانية آخذين في الإعتبار صفات الله الحسنى وعلى قمتها الغفران.. والعدل..&

ثم يعودون للتأكيد من خلال الآيتين..

.. "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُه جَهنَّمُ خَالِدًا فِيها وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْه وَلَعَنَه وَأَعَدَّ لَه عَذَابًا عَظِيمً ""والتي تقع مباشرة في وصف جريمة قتل الشرف والتي تتناسب مع المقصد الإلهي الأول حفظ النفس البشرية.. ولكنهم يعودوا ليقولوا الآية «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق» وربطوا هذا الحق والذي من المستحيل ان يكون مقصد الله عز وجل.. وحسب حسب تفسير الفقهاء – البشر هو إباحة القصاص ووجوبه إذا كان القتل لحق. وفسروة بما يتناسب مع مصلحتهم في قمع الأنثى ووصفها بعورة.. وأعطوه قدسية مرتبطة بكلام الله.. بأنه ولإشاعة الثقافة الإسلامية الصحيحه ولتحقيق العدل وهو الهدف الأسمى لمقاصد الشريعة الإسلامية فإنه يجب الحفاظ على الضرورات الخمسة التي يحافظ عليها الإسلام.. وإتفق الفقهاء الذكور - البشر فيما بينهم على تحديد هذه المقاصد..: حفظ الدين ـ حفظ النفس ـ حفظ العقل ـ حفظ المال - حفظ العرض ـ..... وروّجوا لثقافة الحق في العنف والقتل.. وحللوا وبرروا وأعطوا الحق للرجل.. بقتل المرأة.. وبقبول المجتمع لهذه الثقافة.. وللمشرع الخوف من تغيير العقوبة لأنها كلمة الله.. والله برىء منهم ومن تفسيراتهم البشرية..&

نعم الحق وجود أصيل في خلق الكون والإنسان، وهو الذي يشكل ضمير الفرد. ولكنهم قتلوا هذا الضمير حين برروا له جريمة القتل.. وقتلوا الضمير المجتمعي.. حين إعتبر المجتمع هذا القاتل – الذكر بطلآ ورمزا لحماية أخلاق المجتمع المسلم.. وهو ما ’يشكل تناقضا واضحا وصريحا بين الجريمة وبين الأخلاق.. بحيث خلقوا إضطرابا وشرخا كبيرا في مفهوم الحق. والتحليل والتحريم... بما يشكل خطرا على إنسانيتنا كبشر.....&

وكلها عملت لمصلحة الرجل الذكر المتسلط لتخلق إرتباطا وثيقا بالفكر التسلطي عل المرأة والذي قننه الفقهاء مرة أخرى في فقه الولاية على المرأة والذي أصبح جزءا من الثقافة المجتمعية ترتبط بالفكر الذكوري التسلطي عليها..

أضاف الفقهاء الذكور ’بعدا جديدا لتحليل جريمة القتل.. فرديآ ومجتمعيآ حين أكدوا على أن "" من خصائص هذه الأمة هو الحرص على اتصال النسب وسلامة الانتساب وطهارة العِرض """وربطوها بجسد الأنثى.. بحيث أصبح هذا الجسد يحمل وزر نقاء المجتمع الإسلامي بأكمله.. وأي مما ’يخل بهذا النقاء منافيا للقيم الأخلاقية.. وعدوان على كرامة الأسرة والمجتمع...&

نعم نحن بحاجة ماسة لمراجعة فقهية وبلغة إنسانية تتناسب مع مصلحتنا المشتركة لبناء مجتمع آمن يضمن مستقبلا أفضل.. يشترك في هذه المراجعة الرجل والمرأة في إطار عملية تجديد لأحكام الشريعة ذاتها.. لتتوائم مع مقصد النص وهو حفظ الحياة.. بحاجة لإثبات إنسانيتنا.. ورحمة الخالق.. خاصة في هذا العصر الذي فضح عوراتنا على كل الشاشات الفضية.. وهو حوار طويل المدى خلالة لن نستطيع حماية بناتنا ومجتمعنا إلا بأمور ثلاثة.. فصل الدين عن الدولة وهو المقصد الأولي والأسمى لحماية العدل والمساواة بين كل المواطنين.. والتاكيد على الحرية العقائدية.. وربط قانون الأحوال الشخصية بالقوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان (المرأة والرجل ) لتوقيع أقصى العقوبات على قاتل ما ’يسمى بالشرف.. والثالث تغيير المناهج التعليمية لتتوافق مع هذه الحقوق.. لأننا بشر.. ولنعترف علنا وبدون أي غموض ولا مراوغة بأن من ولوا أنفسهم أوصياء علينا.. هم أول من أساء لفكرنا.. وهم من إبتكر هذه التفاسير.. وأعطوا لأنفسهم قدسية دينية حين ولوا انفسهم مستشارين دينيين لشرح ما غمض من مفاهيم وعقائد وأحكام.. بشرية غير ملزمة وليست مقدسة.. حولوها بمرور الزمن إلى سلطة مقدسة وضعت نفسها فوق البشر.. حرّمت مناقشة أفكارها أو نقدها.. وجعلتنا قطيع أعمى يسير ورائهم نتخبط ونقتل بعضا البعض.. بلا بصر ولا بصيرة.

&