يُضرب المثل البغدادي القديم " مثل النخلة...هم بيها تَمر وهم بيها سِلِّي أو شوك " لشخص فيه النفع والضرر في نفس الوقت، وبمعنى يجرح ويداوي وهو أمر يُذكرني من جهة بقيادات عراقية واهية تسنمت مناصب للخدمة العامة وأضرت بالكذب مرة والصدق مرة بمصالح الناس رغم إستغاثتهم. يقابل هذه الأستغاثة والعويل المجتمعي نباح جهادي إسلامي لداعش وإنضمام شرذمة من الرعاع تتفاوت نزعاتهم لحرق مايمكنهم حرقه ونهب مايمكن نهبه وإنهاك شعب وجيش العراق في صراع زمني مستديم مازال له مؤيديه وأتباعه ومموليه.&

منذ 2003 لم يتحقق أي إنجاز حقيقي للعراقيين يكسب تعاطفهم نحو الحكومات المتعاقبة وقادتها العسكريين. ولم يعد التسائل مهماً في جنون من يدعي الحرص على الوطن والدفاع عنه بطرق التخريب والدمار اليومي. ويتكالب ويتكاثر المتأمرون " في السلطة وخارجها" من مصدري الفتن والأرهاب في غرض واحد يربطهم جميعاً وهو إسقاط بغداد ووضعها في كف عفريت أسطوري يخرج من زجاجة سحرية ويقول " لبيك لبيك وأنا في إيديك "، فاطلب ماتشاء.

الصفة الغالبة من سذج القوم، شيعة، سُنة، وأكراد هي الموالاة للروح والنزعة العسكرية وإقتناء السلاح بأنواعه ولديهم الرغبة بأسقاط النظام الحالي وإسناد السلطة الى حكومة جديدة ولضابط عراقي يتزعم أنقلاب عسكري من داخل العاصمة على الطريقة المصرية التي أوصلتْ الفريق عبد الفتاح السيسي من داخل القاهرة الى السلطة ورضوخ المصريين له لأبهته ونياشينه. ولداعش في العراق رغبة كبيرة لتحقيق هذا الهدف بالترويع، فلهم ضباطهم في الجيش العراقي السابق والحالي، ولاتخفي هذه الرغبة طلباتهم البسيطة والواضحة بعد أن بلغت ثروتهم 800 مليون دولار من بيع النفط الخام وحده.&

مصفى النفط المُهدد في بيجي&

فواحدة من تشريعاتها الأسلامية التي ستُسنها تأخذ في الأعتبار التوزيع العادل للثروة، وتوظيف الشباب العاطلين عن العمل والفقراء المعدومين بتوفير السيولة النقدية والمال العام لهم ولزوجاتهم وأبناءهم بعد تجنيدهم وتخليهم عن أي إرتباط بالحكومة الفدرالية بعد سقوط بغداد لدولة الخلافة، ولاتخفيه تحركاتهم الميدانية والتصميم على أستحواذ أملاك الدولة ووضع مصارفها وإيداعاتها وحقولها النفطية ومصافيها وإستثمار بيع خزين النفط الفائظ وتصديره للدول والشركات حسب ماتراه مناسباً. وتتكامل طلباتهم البسيطة وأوامر قادتهم وأمرائهم الواضحة في خطة خنق بغداد والتمهيد لأسقاط حكومتها ومؤسساتها عن طريق عملائها وتعيين وتنسيق العمل مع ضابط تَنسبُ له شخصياً السيطرة على المناطق والمرافق الحيوية وتُسند له مهمة الهدف والوسيلة الأنقلابية لدخول الجهاديين من أطراف بغداد يوم الفتح الأسلامي المبجل، وتبدأ حلقات جديدة من دوريات داعش بأكمال المهمة للأصلاح المجتمعي الجهادي المضطرب للزمن القادم، كما كان هدف ووسيلة البعث في إنقلاب عام 1963 وتكليف حردان التكريتي بالمهمة، وثانية في إنقلاب عام 1968 بتكليف عبد الرزاق النايف وداود الجنابي " تم طردهما لاحقا" لمسك العاصمة لحين سيطرة الحزب العفلقي على السلطة بطرق التخويف والترويع والأرهاب وأسكات المعارضين.

وحقيقة الحملات الاعلامية وحقيقة الحملات العسكرية والحشد الهائل التي تشنها الحكومة العراقية والجيوش الغربية والعربية والإسلامية حالياً، تحتاج وقفة صدق لتأكيد وجودها من عدمه لما أعترى الحقائق من أراجيف وأوهام وأكاذيب مقصودة ومتعمدة ومقبولة ببصمة الحكومة والرئاسات والبرلمان العراقي وصدّقها بعض الناس مرغمين، وألحقَ بها دهاة تزويق الدين إفتراءات تقبّلها معظمهم دون تمييز أو تحليل دوافع هذه الأفتراءات ومن يتستر عليها.

الحديث عن حماية العاصمة التاريخية للعراق وسقوطها الزمني على يد الأجانب والخونة له شجون وألالآم من زمن هولاكو الى عصر ألأنقلابات الدموية الهمجية للبعث التي بدأت في شباط عام 1963. وعندما تؤمن الحكومة الحالية ومسؤوليها وكتلها النيابية بالنزعة العسكرية والتبذير على شراء وتكديس السلاح، يتسائل العراقيون: لماذا لم يتم تحرير محافظات العراق ومدنها من عصابات تحتل مصادر الثروة وتُمثل الأرهاب ولا تمثل شعب العراق إطلاقاً ؟

لتحديد الأجابة نعود الى حقيقة حرص المتآمرين على شراء ذمم الضباط العسكر وخرائط مقرات معسكراتهم وقربها وبعدها عن العاصمة وتحركاتها وإرتباطات قياداتها المذهبية والعشائرية ورحاب قناعاتهم وتعلق أفكارهم بالنفوذ والفتح الأسلامي المبارك، وهي الطريقة الوحيدة للأستحواذ على العاصمة التاريخية وسقوطها بين ليلة وضحاها. فقد تم أسقاط بغداد في العهد الملكي عام 1958 ومرة أخرى عام 1063 ومرة ثالثة عام 1968، بهذه الطرق ورافق السقوط شراء الذمم والمساومة على المناصب بالطريقة التي تسمح لضباط مهوسين باختراق نقاط الضعف النفسية.

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في زيارته لجرف الصخر مؤخراً " نقول للأهلنا قادمون لتحرير محافظة الانبار"، ويشير الى نجاح واهم ومفقود لا أستطيع تأكيده، بالقول "نجحنا بتحويل وجهة المجتمع الدولي نحو العراق". ويضيف الى هذا الوهم المفقود، قائد عمليات دجلة الفريق الركن عبد الأمير الزيدي الذي أدلى بحديث لـ"السومرية نيوز"، عن ((تحرير أربع قرى زراعية)) شرق بعقوبة من تنظيم داعش بعد معارك شرسة بأشتراك "قوات أمنية مشتركة مدعومة بالحشد الشعبي وبإسناد من قبل الطيران الحربي في ناحية المنصورية.

فإذا كان (( تحرير أربع قرى )) في ناحية صغيرة تتطلب تصريحات قائد عمليات دجلة وهو برتبة فريق ركن وتطلب منه تحريرها بحشّدَ كل هذه القوة وكأنها خُصصت لتحرير دولة، فكيف سيتمكن العبادي من تحرير محافظة بحجم الأنبار أو بحجم نينوى تتمترس فيها قيادات الأرهاب ؟ هناك خطأ ما في الإعلام الرسمي المبتهج للأستراتيجية والتكتيك العسكري المتبع الذي يزف بشرى التحرير السابقة لأوانها بنقل تصريحات حكومية من مسؤولين على الهواء، أو سرد أكاذيب وأوهام لم تبدأ بسقوط الموصل ولم تنتهي بسقوط بغداد.&

أني أرى أن التخلي العسكري المطلق عن تحرير محافظة الأنبار بالكامل يعني سقوط طبيعي لمصير العاصمة بغداد وتهيئة الجيش العراقي للتخلي عن مسؤوليته المهنية وتغيير مهام عقيدته الوطنية علماً بأنه المنقذ الوحيد لجميع محافظات العراق لو تسلّم مسؤوليته بالكامل.

&

باحث وكاتب سياسي&

&