&
سأحدثكم عن محدث النعمة. إنه ذلك الشخص الذي أصابته النعمة من بعد طول الحرمان، فقبض عليها بيديه ورجليه وأسنانه، وصار يضرب بسيفها ويستحلبها لكي تجلب له الاحترام والهيبة بأية وسيلة كانت. فهو يشتري ذمم الناس ويجندهم لخدمته حذر الفاقة والعوز الذي ألفه منذ أتى إلى الحياة. ويستوي لديه العالم والجاهل ويصبح مقياسه الوحيد للرفعة هو ما يمتلكه الآخرون من هذا العفن الذي يسمى مالا. وهو يفتقر إلى التقاليد العريقة من الكرم وعفة النفس واحترام الإنسان لذاته. كما أنه لا يقدر من يجود عليه بشيء بل يعتبره واجبا عليه كونه أصبح قيصرا بما أصابه من خير. فمثله كمثل الأرض الجدباء أصابها غيث فأنبتت غرقدا وصبارا.
ومحدث النعمة يا سادة لا ينشغل بالشأن العام ويصيبه الغرور بأنه محظوظ ومهما أصاب الناس من الكرب فهو محصن منه بفضل هذا الخير الذي أتاه على غير توقع وجدارة. ولعل بين الأعراب رهط كبير من محدثي النعمة ممن لم يستثمروا النعمة في الخير العام وتكادون لا تجدون منهم واحدا وقف نفسه على العلم بما أن الله كفاه هم الرزق وذل الحاجة. والقلة التي اشتغلت بالعلم والأدب والشأن العام صارت محل التندر والفكاهة بين الدهماء.
وظاهرة محدث النعمة ليست حديثة ولا هي حكر على شعب دون غيره. وهي باللغة الإنجليزية تعني “New money” أي أنك تعرفهم بسيماهم، وبينهم طباع مشتركة لا تخفى على ذي عين حاذقة. فمحدث النعمة يتفاخر بالثراء ويتكبر على من هم أقل مالا منه ولا يستظرف الملح والطرائف ولا يستظرف النكتة الذكية ولا يدرك مرماها ولا تضحكه. وهم ثقيلو الظل وليس لديهم جديد مستظرف ولا فكرة لافتة. وكلما حدثت أحدهم حمدت الله على ضيق ذات اليد وثراء العقل وأصناف النعم الفكرية التي لا يعرفونها ولا تروق لهم.
ومحدث النعمة، أعيذكم منها، بخيل ويده مغلولة بحيث يستكثر القليل الذي ينفقه حتى لو كان رئاء الناس، وهو أناني ويعتبر نفسه ثمينا ومتميزا، لذا فهو لا يسارع إلى فعل الخير مهما كان نزرا بسيطا وغالبا ما يكون كسولا، وينتظر الآخرين أن يقدموا له وهو لا يقدم شيئا. ويتخير لصحبته ممن هم على شاكلته، أي محدثو نعمة، أو يصبون إلى ذلك ويجدون في صحبته ضالتهم حتى لو لم يصيبوا من ماله شيئا.&
&