استقر التوتر في العلاقات المغربية الجزائرية منذ تبني القيادة الجزائرية مشروع انفصال الصحراء عن المغرب، ورعاية جبهة البوليساريو الناطقة الرسمية باسم هذا المشروع الذي سبق للاستعمار الإسباني أن عمل من أجل إنجاحه. غير ان التدخل المغربي الحاسم، من خلال المسيرة الخضراء التي بادر الى تنظيمها الملك الراحل الحسن الثاني أربك حسابات اسبانيا في فترة عصيبة من حياتها عنوانها احتضار الجنرال فرانكو والتحضير لانتقال السلطة، وتغيير النظام السياسي في البلاد بشكل جذري. وفي الواقع، فإن المسيرة الخضراء قد أربكت كذالك حسابات الجزائر الأمر الذي فرض عليها التحرك بسرعة، لخلق أمر واقع جديد، فعملت مع مليشيات البوليساريو على تهجير العديد من المواطنين الصحراويين الذين صورت لهم ان الغاية من المسيرة الخضراء هي السيطرة على المنطقة والتنكيل بسكانها، فأقامت لهم المخيمات في منطقة تندوف، الواقعة تحت إدارتها ووفرت لمرتزقة البوليساريو السلاح والمال وكل انواع الدعم اللوجستي والدبلوماسي بل والعسكري أيضاً، كما دل على ذلك تورط جنرالات وضباط الجزائر في امغالا في النصف الثاني من عقد سبعينيات القرن الماضي، والذي كاد أن يتحول إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين البلدين لولا تدخلات ووساطات متعددة أدت الى تخفيف التوتر الناجم عن التدخل الجزائري السافر لدعم الجبهة الانفصالية.&

ورغم التفاؤل الذي ولده توقيع اتفاقية مراكش، المؤسسة لاتحاد دول المغرب العربي، ( 1989) في مختلف عواصم المنطقة، فإن هذا التفاؤل لم يدم طويلا، بسبب التطورات السياسية الجذرية التي عرفتها الجزائر في مطلع تسعينيات القرن الماضي، والتي فرضت عليها جعل اعادة الأمن والاستقرار الى البلاد أولويتها الأساسية في مواجهة موجة عارمة من الارهاب، والعنف المسلح، قادته الجماعة الاسلامية المسلحة وجبهة الإنقاذ الاسلامية بعد إيقاف المسلسل الانتخابي، والإطاحة بالرئيس الشاذلي بن جديد، أحد الرؤساء الموقعين على اتفاقية مراكش إلى جانب الملك المغربي الراحل الحسن الثاني ورؤساء تونس وموريتانيا وليبيا في تلك الفترة.&

لقد اعتقد المغرب ان توقيع معاهدة الاتحاد، بين عواصم المغرب الكبير الخمس، يمثل نقطة تحول جادة في سياسات الجزائر في أفق المساهمة الإيجابية في حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، غير ان التطورات الملموسة للسياسة الجزائرية وخاصة بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف، الذي كان يبدو انه جاد في البحث عن حل لملف النزاع المفتعل حول الصحراء، جاءت على عكس توقعات المملكة المغربية في موضوع الصحراء ودعم الجزائر لمشروع الانفصال الذي تلقى جرعة دعم قوية إضافية، منذ وصول عبد العزيز بوتفليقة الى سدة الحكم في البلاد عام 1999، وهو أحد مسوقي المشروع الانفصالي أيام كان وزيرا للخارجية الجزائرية في عهد الرئيس هواري بومدين، ولم يخف يوما واحدا عداءه السافر للوحدة الترابية المغربية، كما دلت على ذلك مختلف سياساته حول القضية في المحافل الإقليمية والدولية بل كما كشف عن ذلك مسلسل المفاوضات حول البحث عن حل سياسي للنزاع وخاصة بعد طرح المغرب لمبادرة الحكم الذاتي الموسع عام 2007 والذي ووجه برفض جزائري صريح نجم عنه رفض قيادة جبهة البوليساريو التي تأتمر بأوامر الحكومة الجزائرية في كل وقت وحين.

الجزائر تعيش، في الوقت الراهن، مخاضا سياسيا حيويا، محوره الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكيفية تجاوز المرحلة الانتقالية التي تلوح للقيادات الجزائرية في الأفق القريب، ونظرا لدقة هذا المخاض وعسر تفاعل عناصره ومضاعفاته فإن المغرب ينظر، هو أيضاً، إليه بعيون كلها ترقب وانتظارات وخاصة في موضوع الصحراء لجهة حلحلة الموقف وتحرك قيادات الجزائر في المستقبل نحو أرضية للتفاهم مع المغرب بما يخدم مصالح البلدين الشقيقين وينزع فتيل الأزمة التي تهدد مجمل منطقة المغرب الكبير وشمال افريقيا في أحسن الأحوال.

فهل تكون مرحلة احتضار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الطويلة، ( شافاه الله) مرحلة حسم لقضية الصحراء لجهة طي صفحتها، بما يخدم استكمال المغرب لوحدته الترابية، ومغادرة أرضية التوتر مع الجزائر الذي استغرق حوالي أربعة عقود من الزمن، كما كانت فترة احتضار الجنرال فرانكو مناسبة للتقدم خطوة جبارة على طريق تصفية الاستعمار الإسباني في الصحراء واسترجاعها الى حاضنة الوطن؟

إن الأمر متوقف، كما هو واضح، على مدى توفر الإرادة السياسية لدى القيادة الجزائرية باتجاه حسم القضية بالاقتراب خطوات نحو المغرب، وإعادة التفكير الجدي في بناء اتحاد المغرب العربي على أسس متينة.

قد يكون هذا من باب التمني، وربما أيضاً، إحلال الرغبات محل الواقع بالنسبة للبعض، غير ان المغرب لا يملك، لمواجهة هذا الواقع، إلا المزاوجة بين الحزم والثبات في الدفاع عن وحدته الترابية والوطنية، وبين الأمل في أن تستخدم القيادة السياسية الجزائرية منطق العقل والالتزام بقيم النضال المشترك بين الشعبين المغربي والجزائري، والتحرك في سياق أفق مفتوح على المصالح العليا للمغرب الكبير لتجاوز الحسابات الضيقة والمراهنات غير الواقعية من شاكلة ان المغرب قد يتخلى في يوم من الأيام عن أقاليمه الجنوبية ووحدته الوطنية.&

وفي كل الأحوال، فإن صعود نبرة التوتر في العلاقات المغربية الجزائرية في بعض المحطات المفصلية في تطور الجزائر وخاصة في فترات الأزمات كأزمة المرحلة الانتقالية الحالية يجعل كل مهتم بأوضاع المنطقة وكل حريص على مستقبل علاقات الجوار بين المغرب والجزائر يطرح السؤال التالي: هل هو توتر ما قبل الانفراج أم توتر ما قبل المواجهة؟

وفي هذا السياق فقط يمكن فهم تصريحات رئيس البرلمان الجزائري الأخيرة التي حملت رسائل تهديد واضح الى المغرب، في وقت كان الجميع فيه ينتظر من النظام الجزائري خطابا اقل حدة تجاه المغرب، بمناسبة استعادة روح الثورة الجزائرية في عيدها الستين.&

&