فقل علمه عند الله والراسخين في العشائرية والطائفية والعنصرية وأنصاف المتعلمين والمثقفين وعتاة الانتهازيين والسراق والنصابين، إلا من رحم ربي وأقصاه عن شلة المنحرفين الذين تولوا منابرا في زمن القحط والجدب الوطني والحضاري، فهم أولى الناس في تعريفه وتمثيله في هذا الزمن الذي مالت فيه كفة الشر والحيلة والسحت الحرام أمام كفة الخير والحكمة والمال الحلال.

ترى هل هو الزمان أم تراكمات سنين من التربية الخطأ والتعليم الفاسد في مجتمعات تائهة في انتماءاتها وحائرة في ولاءاتها وازدواجية في آرائها، ومشوهة حد العوق نتيجة حقب من الظلم والضغط والحروب والإقصاء والتهميش.

وهل كانت الأنظمة الاستبدادية ودكتاتورييها " قبغات " أي غطاءات لفتحات مخازن مليئة بكل هذا القبح الاجتماعي والسياسي والأخلاقي، وما أن تهاوى آخرها في التاسع من نيسان 2003 حتى بانت عورات مجتمعاتنا وقيمها المتهالكة المهترئة ليس هنا في العراق فحسب بل في كل بلدان الازدواجية الأخلاقية والسياسية والاجتماعية

صحيح إن الخطوات باتجاه بناء الدولة الديمقراطية تتطلب تأسيس مكونات قانونية باستخدام وسيلة الاختيار التي يفترض أن تكون حرة، بمعنى إجراء انتخابات عامة لاختيار تلك المكونات وهي البرلمان والرئاسة والحكومة، وهي سلسلة من المؤسسات ترتبط ببعضها، وبالتالي فهي تعكس طبيعة المجتمعات ومستواها الحضاري والثقافي، إلا أن تحفظات كثيرة على صيغة بناء الدولة الديمقراطية في مجتمعات متعددة الولاءات، وتعتمد نظاما عشائريا ودينيا مقيتا يقصي فكرة ومبدأ المواطنة تماما، ما تزال تؤكد إن الخطوة الأولى لم تبدأ بعد رغم أن البعض ما يزال مصرا على إننا سننجح بتجربتنا في بناء هذه الدولة خلال هذا القرن، مع كل هذه المواصفات في الانتماء إلى العشيرة والمذهب وأخيرا إلى القرية وانهار من الدماء الملوثة بالشعارات المذهبية التي&ترفعها قوى الإسلام السياسي التي حولت الأديان ومذاهبها إلى منابر إعلامية وسواتر قتالية تحت ذريعة الدفاع عن الله وأنبيائه وأديانه!

لقد أجريت ثلاث انتخابات عامة لاختيار البرلمان العراقي منذ سقوط نظام حزب البعث الشمولي الذي استمر لما يقرب من أربعين عاما مضافا إليها أربعين أخرى لا تختلف كثيرا من حيث المنطلقات والتطبيقات إلا قليلا، وقد اختير لها أي لتلك الانتخابات مرشحين يمثلون أوساطا تعج بالأمية الأبجدية والحضارية والسياسية، وتتميز بالازدواجية والكذب وكل عيوب الشرع كما يقولون، وخاصة تلك التي تتعلق باستباحة أو تحليل المال العام واعتباره في قرارة النفس غنيمة.

قلت بعد ثلاث دورات انتخابية عجت بعشرات السراق والإرهابيين والكذابين والكلاوجية (باستثناء القلة القليلة التي ينعقد بسمعتها الأمل في يوم زاهر) يتزين مجلس النواب بنماذج ينطبق عليها المثل العراقي الصميم ( عاب شي ما يشبه أهله ) حيث خرجت علينا نماذج مقرفة في خطاباتها البذيئة بحق شعوب العراق ومجتمعاته، فذاك الذي انتقص من شعبين عريقين هما الشعب الهندي العظيم وشعب العمارة والجنوب صاحب اعرق حضارة في وادي الرافدين حينما اسماهم بالهنود انتقاصا، والأخرى صاحبة قتل سبعة من السنة كلما قتل سبعة من الشيعة وصاحبها العنصري اللذان أساءا إلى أهالي ثاني اكبر واعرق محافظة في العراق والخوض في أعراضهم، والعشرات من الذين يتآمرون ليل نهار على كل المكونات الصغيرة في عددها والكبيرة في عطائها وانتمائها وجدارتها !

أبعد كل ذلك هل ما زلنا نتأمل خيرا كثيرا من برلمان يعج بنماذج من هذا الشكل؟ وهل أدركنا أسباب ظهور داعش وانتشارها، وحتى ندرك تماما بأن داعش إنتاج هذه النماذج، سندفع انهارا من الدماء وبحورا من الأموال وفرصا ذهبية من الزمن الضائع، وأخشى ما أخشاه أن يذهب هذا الناخب المخدر بعد أربع سنوات ليعيد انتخاب هؤلاء أو أشباههم المستنسخة أو المعدلة!

&

[email protected]