(1)
في مشروعهما القومي التقدمي التنموي الحضاري، خرج علينا جلالة معالي وزير الأوقاف المصري ومعه فخامة وزير الشباب المصري أيضًا ليعرضا ما توصلا إليه مِن توصيات حول نهضة مصر وترعرعها وتقدمها، ويتمثل مشروعهما التقدمي النهضوي في أنهما سيحاربا "الإلحاد" لأنه أحد الظواهر الخطيرة على شباب المجتمع.
وشبّه جَلالة معالي وزير الأوقاف المصري انتشار الإلحاد في مصر مثل ازدياد الإرهاب، وعلينا بالتصدي لمواجهته كما نواجه الإرهاب. آه، والنعمة الشريفة!
&
(2)
لم يكن هذا المؤتمر الصحفي هو الفريدمِن نوعه، لكن قبل هذه التصريحات "النارية" التحريضية ضد "حرية الرأي والتعبير والعقيدة" خرج علينا، أيضًا، شيخ الأزهر قبل صيام شهر رمضان الصيفي، حيث قال (في برنامجه التليفزيوني يوم 27/6/2014 في التليفزيون الرسمي ل مصر): إن الإلحاد ده مُمَنهج و"موضة هذا العصر"، وإن هناك منظمات أمريكية وبريطانية ترعى الإلحاد على مستوى العالم.
&
وأضاف فخامة شيخ الأزهر الكريم المبارك، وفي مغازلة منه للتيار الديني الإسلامي المصري الذي يَلصق ملصقات ـ وقتها وحتى الآن ـ على السيارات والمواصلات العامة، وفي أماكن لا تجعل حتى السائق يَرى جيدًا، أو تجعل السائقين الاخرين في حالة تشتت مما يؤثر على حياة المارة والركاب، قال سيادته: إن الملحدين في الغرب يلصقون منشوراتهم على الاتوبيسات، (!!!!!!!!!)
وكأن الرقي والتحضر في معاملة الإنسان تتطلب منهم نشر الإلحاد، الذي مِن مبادئه أنه لا يحتاج إلى نشر ولا تبشير، فهو موقف فردي يتخذه الإنسان متفردًا وبعيد عن أي ارتباطات جماعية.
طبعًا، ناهيك عن وجود قانون حازم حاسم يُطبق على الجميع دون ما استثناء أو تمييز، بين صاحب هذا الدين، أو ذاك المعتقد بِناء على منشور أو رمز ديني أو سياسي على هذه السيارة أو تلك.&
&
(3)
السادة المسئولين الدينيين، معزورون بأنهم "رضعوا" نصوصًا تحض على التفرقة بناء على العقيدة أو المذهب أو الدين، مثل: "إن الدين عند الله الإسلام"، حتى لو تظاهروا بغير ذلك أو استشدوا بنصوص أخرى تؤيد وجهة نظرهم "النظرية" فقط، مثل: "لَكُم دينكم وليّ دين"
ففي سياق حديثه التليفزيوني، أضاف جلالة شيخ الأزهر: "إن كل واحد حر عايز يختار العقيدة اللي تريحه، فالإسلامـ حسب قوله، أعطى الحرية للفرد أن يختار ما يشاء".
وأضاف، جَلْ شأنه:
"نحن لا علينا إلا البلاغ، نحن لسنا في مصادرة الحريات، الدين لا يُفرض".
آه،
يا أصدقائي الأعزاء، رجاء ونداء
لو فيه حد فيكم يقدر يوصلني بالسيد شيخ الأزهر الكريم، لأنني أريد اخبار معاليه بحفنة أمور قد تكون مختفية عن ذاكرته!! وهي أن الدين يُفرض فرضًا، وليس كما يقول سعادته.
هل سيادته يَعرف أن الطفل الوليد، أول ما بينزل مِن بطن أمه، بيكتبوا اسمه، ويفرضوا عليه دين أبوه قبل ما يقول واءءء؟؟
هل معالي شيخ الأزهر، يَعلم أن مَن يُغير دينه مِن مسلم إلى "أي حاجة ثانية" ممنوع يطلع له ورق رسمي، والأسهل هو إن يطلع عنيه مِن أنفه؟؟؟
أعتقد أن سيادته لا يعلم إن الأزهر، والدولة ـ في العصر الحديث ـ لم يسمحا بكتابة البهائية كديانة، وهي ديانة عالمية معترف بها، في الأوراق الشخصية!!!!
فخامة شيخ الأزهر، أتمنى له الصحة، ألم يسمع أنه لكي تكون مصري مسيحي يجب أن تكون منضما لأحد الطوائف الثلاث المسموح بها فقط في الأوراق الرسمية، فلا اعتراف بالسبتيين ولا شهود يهوه. ولو عايز تنسحب مِن أحد هذه الطوائف المسموح بها فلابد لك أن تنضم لأخرى؟؟؟ أي حرية أديان أو معتقدات هذه؟؟؟
&ألم يسمع فخامته عن أحكام قضائية تحت مسمى إزدراء الأديان، ضد مصريين لأنهم اختاروا ان يبتعدوا عن دياناتهم التي ورثوها من والديهم؟؟؟ أو قرروا أن يَسألوا ويُعبروا عن آرائهم في ديانات أخرى غير دينهم عبر الفضاء الالكتروني؟؟؟؟
&
(4)
لكن الذي يقلق أكثر هو أن رئيس الجمهورية المنتخب أعطى للأزهر مكانة أكبر وقيمة أعلى في أول قراراته حين أسس مجلسا لإعادة دراسة التشريعات وتنقيتها. أليس هذا تأكيدا لهوية الدولة الدينية وترسيخًا لخط واحد في صنع القرارات وصياغتها، وهو أن تَتَدخل المؤسسة الدينية ورجال الدين في صناعة كل ما يُسّير حياة المواطنين طبقا للهوى الديني والمذهبي لرجال الأزهر، مع صنع دولة الكنيسة المستقلة الموازية؟؟؟
&
إنها أسئلة مشروعة في إطار المنادة بمَدنية الدولة، لكي تتعلم مصر وغيرها مِن الدول الدينية من تجارب الدول التي كانت مُحتلة من الكنيسة وكهنتها في العصور المظلمة، أليس كذلك؟؟؟
&
(5)
ويأتي السؤال الأصعب، حيث لقمة العيش للشعب الجائع بما فيهم مِن ملايين أطفال الشوارع: ماذا عن المليارات الطائلة التي يَدفعها المصريون مِن جيوبهم للصرف على هذا الصرح الذي لا يقدم انتاجا نافعا للبلد إلا فكرا ومزيد مِن "شُرّاح" ومُفَسِري النصوص الدينية؟؟
يا جلالة شيخ الأزهر، فرغم المليارات التي تصرف على أزهرك سنويا مِن أموال الدولة، إلا أنك تعتب على وجود منظمات أمريكية وبريطانية لديها أموال طائلة ـ كما تَدعي معاليك ـ لنشر الإلحاد.
&
كيف يا شيخ الأزهر تأتي بفعلٍ وتنهى غيرك عن فعل مثله؟؟؟
وأي أموال طائلة هذه التي تُصرف على الملحدين واللادينيين في مصر، وأغلبهم طلبة أو موظفين في قطاع الأعمال الخاص. ولا يَملكون مِن وسائل التعبير إلا مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر، وأنتم تملكون مئات البرامج الدينية في عشرات القنوات التليفزيونية والجرائد والمجلات السيارة؟؟؟؟
&
&
(6)
يا سيادة شيخ الأزهر الفاضل، إن كنت ترى أن الدين لا يُفرض، فمِن فضلك اترك الذين اتخذوا موقفًا من الدين دون تطبيق قوانين سيئة السمعة مثل ازدراء الأديان، أو تكدير السلم المجتمعي.
&
يا سيادة شيخ الأزهر المحترم، إن كنت ترى، كما قال القرآن، أن رسالتكم هي البلاغ، فلا تفرض الهداية على الذين تركوا أديانكم ومعتقداتكم.
من فضلكم، لا تلعبوا دور الدَيّان مساءًا، بعد انتهاء أدواركم الدعوية صباحًا.
&
&