تنتظر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية (فقط) نجاح محاولاتها مع الجانب اإسرائيلي قيام دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 ، وهذا أول المستحيلات لأسباب ثلاثة:

1 . رفض الإحتلال الإسرائيلي بشكل واضح وقاطع العودة لتقسيم القدس ( غربية و شرقية ) بحيث تكون القدس الشرقية هي عاصمة الدولة المنتظرة، ويرى الإحتلال أنّ القدس منذ توحيدها بعد هزيمة عام 1967 هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل رغم المراوغة العالمية في الإعتراف بها أم لا ، وتتلكأ كافة الدول في نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس بما فيها الولايات المتحدة التي تؤجل كل عام نقل السفارة بما يعني ضمنا أنّها تعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وتؤجل فقط نقل السفارة إليها.

2 . رفض الإحتلال الإسرائيلي لإزالة المستوطنات التي استولت على نسبة عالية من مساحة الضفة الغربية، والمدهش أنّ الإحتلال اختلق تسمية "مستوطنات شرعية" و "مستوطنات غير شرعية"، وقد انطلت هذه التسميات على المفاوض الفلسطيني الذي يطالب أحيانا بإزالة المستوطنات غير الشرعية. وفي عرف الإحتلال فالمستوطنات الشرعية هي التي أقامتها الدولة ومؤسساتها، أمّا غير الشرعية فهي التي أقامها المستوطنون الصهاينة بدون أخذ موافقة مسبقة من أجهزة الدولة. وهذا الوضع قدّم خدمة إعلامية للدولة إذ تقوم من حين لآخر وسط ضجة إعلامية مخطط لها بإزالة عدة بيوت للمستوطنين بحجة أنّها غير شرعية. وكذلك غالبية دول العالم التي لا تطالب بإزالة المستوطنات من القدس الشرقية والضفة الغربية بل بوقف الإستيطان أي البقاء على وضعه الحالي بدون تمدّد.

3 . استحالة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية ليس بسبب سيطرة حماس المنفردة على القطاع بل أيضا بسبب عدم وجود تواصل جغرافي حدودي بين المنطقتين ولم يحدث أن نجحت دولة أو وحدة بين منطقتين لا حدود بينهما، وأوضح دليل عربي هي الوحدة التي قامت بين مصر و سوريا عام 1958 ولم تدم رغم ديكوريتها الشكلية سوى قرابة عامين ونصف.

ما هي ملامح الدولة المنتظرة إن قامت؟
أهم ملمحين أو صفتين لهذه الدولة المستحيلة إن قامت هما:
1 . استمرار التضييق على الحريات العامة المتواصل منذ عام 1996 زمن عودة قيادة منظمة التحرير للقطاع والضفة. إنّ سجل الاعتقالات والمحاكمات غير القانونية هو صفة تأصلت في قيادات السلطة منذ زمن الرئيس عرفات وصولا لخلفه محمود عباس. وطريقة عمل السلطة الفلسطينية لا يحتاج لنقاش إن قلنا أنّها طريقة ديكتاتورية وراثية، وإلا ما معنى بقاء محمود عباس رئيسا للسلطة ولفتح منذ عام 2004 ؟ وأيضا من قبله الرئيس عرفات رئيسا للمنظمة و فتح والسلطة منذ عام 1968 حتى وفاته عام 2004 .& إنّ سجل الاعتقالات لكل من يعارض السلطة أو ينتقدها هو السمة الرئيسية لإسلوب عمل السلطة وقواتها البوليسية، بينما هذه القوات تنسحب بأدب عال من أية منطقة أو حارة يريد جيش الإحتلال دخولها، والكل يسمع بالتجول اليومي لقوات الاحتلال واعتقالها وقتلها وهدمهالا للبيوت بدون أي رد أو تحرك من قوات أمن السلطة. وهذه المعلومات أو هذا الرأي ليس من عندياتي فقط ، بل تمّ تسليط الضوء عليه في الأسابيع الماضية بعد حملة الاعتقالات الشرسة في صفوف النقابيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقد أدان نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني وحقوقيون ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية هذه الانتهاكات للحريات العامة التي تخالف أبسط مبادىء القانون. وهل يعقل أن يتم اعتقال خمسين نقابيا فلسطينيا بمن فيهم أمين عام نقابة الموظفين العموميين ونائبه؟. هذا بالإضافة لحملة التصفيات التنظيمية ضد عناصر وكوادر حركة حماس، الذي يقابله في قطاع غزة نفس التصفيات التنظيمية ضد عناصر فتح، وأيضا نفس الصفة الديكتاتورية إذ خالد مشعل رئيس للمكتب& السياسي للحركة منذ عام 1996 ، أي منذ 18 سنة وهو حسب هذه الممارسات مستمر في منصبه حتى اللحد.

2 . الفساد المالي والرشاوي فقد أصبحت هذه الصفات اللاأخلاقية هي السائدة، وهذا أيضا ليس افتراءا مني ، بل اثبتت ذلك قبل اسابليع قليلة وثائق المحكمة الأوربية لمراقبة الحسابات التي أكّدت أنّ السلطة الفلسطينية متورطة في إهدار 2 مليار يورو تمّ تحويلها للسلطة. وقالت وثائق المحكمة الأوربية : " إنّ السبب هو الفساد وسوء الإدارة وغياب الرقابة المالية على أموال المساعدات الدولية للسلطة. وهذه المعلومات من المحكمة الأوربية نتيجة زيارات ميدانية قام بها محققون أوربيون للقطاع والضفة، وكان رأيهم : " لا توجد تدابير للحد من مخاطر ارتفاع مستوى الفساد أو صناديق الائتمان التي لا تستخدم في الغرض المقصود لها. و أنّ نحو 2,3 مليار يورو تدفقت إلى الأراضي الفلسطينية من أوروبا بين عامي 2008 و2012، والكثير منها تعتبر مفقودة بلا أثر" . فأين أثرها ؟ إنّه في جيوب وحسابات قيادة السلطة ورئيسها وأولادهم ، حيث يتداول الشارع الأردني معلومة أن إبن واحد من هذه القيادات اشترى قبل عام ونصفر تقريبا فندق الفور سيزون في العاصمة عمّان بميلغلا يتجاوز مائتي مليون دولار...فمن أين لك هذا يا إبن....؟. وهذا ما دفع العديد من الدول العربية والأوربية وقف دفع الأموال النقدية للسلطة بل إقامة مشروعات يحتاجها المجتمعى بإشراف هذه الدول نفسها. وكذلك تقارير لجنة الرقابة في المجلس التشريعي الفليطيني التي نشرت معلومات مذهلة عن حجم الفساد الذي يزيد عشرات المرات عما ورد في تقرير المحكمة الأوربية..وهذه تقارير مجلس تشريعي فلسطيني، ومن يريد التفاصيل ورفع الضغط والبكاء على حالة الشعب الفلسطيني ، فليقرأ هذه الدراسة المفصّلة بالأرقام والأسماء: انقر هنا

لذلك فدولة قلسطينية بهذه الصفات والملامح لا خير فيها رغم استحالة قيامها، لذلك ليس غريبا أمنيات نسبة من الفلسطينيين عودة الاحتلال المباشر كما كان قبل عام 1987& حيث لا دولة فلسطينية مستقلة ولكن وجود هدوء يجعل قرابة مائة وخمسين ألفا من فلسطينيي القطاع والضفة يعملون كل صباح داخل دولة الإحتلال...والمفارقة التي أضطر لها هؤلاء العمال هي أنّ نسبة منهم كانت وما زالت تعمل في المستوطنات الإسرائيلية الشرعية وغير الشرعية حسب تسمية الاحتلال.
www.drabumatar.com


&