استدعاء أي مسؤول مهما کان منصبه و مکانته في النظم الديمقراطية للمساءلة في البرلمان، هي مسألة جدية يحذر منها المسؤول فيما لو کان هنالك مايخاف منه حقا، بل وحتى ان البعض قد ينتحر ولايواجه المساءلة لقوة خلفيتها القانونية، ولکن، وفي خضم ذکر تشکيل لجنة برلمانية عراقية تقوم بالاستجواب في قضية سقوط الموصل و من المتوقع أن تستدعي شخصيات سياسية ومن ضمنها رئيس الوزراء السابق نوري المالکي، يطرح سؤال مهم نفسه وهو: هل سيتم حقا إستجواب تلك الشخصيات ومن ضمنها المالکي بالجدية و الحزم المطلوبين، وهل ستکون هذه اللجنة في مستوى المسؤولية حقا؟
&
الکثير من الغموض يلف قضية سقوط الموصل، ولأکثر من دولة و طرف ما مصلحة محددة في هذا السقوط، لکن من الواضح ومن خلال عملية إستقراء دقيقة لمختلف جوانب قضية سقوط الموصل، فإن الظروف و الاوضاع التي تزامنت مع عملية السقوط الدراماتيکية، تجعل المالکي في موقف أقل مايقال عنه موضع الشبهات، خصوصا وان الامور التي حدثت بعد السقوط کانت تبرر بصورة أو بأخرى تلك الفضيحة العسکرية ـ السياسية الاستثنائية، خصوصا بعد تزايد التدخل الايراني في العراق أکثر من أي وقت مضى حتى صار قاسم سليماني صاحب الدار و صار العراقيون ضيوفه على أرضهم!
&
الفصول التراجيکوميدية الخاصة بالفترة المتعلقة بتنحية المالکي، و المحاولات المستحيلة التي بذلت إيرانيا من أجل إقناع الاطراف العراقية بقبوله لولاية ثالثة، والتصريحات و المواقف و المزايدات و الزيارات المکوکية الايرانية السرية و العلنية التي رافقتها، کانت مؤشرات ذات أهمية خاصة تدل على خطورة و حساسية الموضوع، حيث قاتل المسؤولون الايرانيون سياسيا"وفي مقدمتهم سليماني نفسه"، وحتى اللحظة الاخيرة من أجل ضمان إبقائه في منصبه، وقضية الاصرار على المالکي من جانب طهران، يمکن أن يتم تفسيرها و فهم أبعادها بوضوح من خلال إستقبال المرشد الاعلى للنظام للمالکي مؤخرا و إشادته به و بعهده في خطوة فسرها المراقبون بأنها دعم له في وجه الحملة المطالبة بالتحقيق في عهده و تقديمه للمحاکمة.
&
الدعوات المختلفة التي تنطلق من أجل محاکمة المالکي و فتح کافة الملفات المتعلقة بعهده، هناك شبه إجماع عليه لأنه حتى من داخل حزب الدعوة و کتلة دولة القانون هناك من يرغبون فعلا بذلك، لکن الطرف الوحيد الذي يقف بقوة ضد محاسبة المالکي و محاکمته، هو النظام في إيران و الذي کان المستفيد الاکبر من عهد المالکي حيث حقق أثنائها مکاسب و منجزات قد لايجد نظيرا لها خلال الاعوام القادمة، ومن الواضح بأن هناك الکثير من التجاوز بل و حتى التطاول على
&
القانون و السيادة الوطنية العراقية ذاتها من أجل تحقيق تلك المکاسب و المنجزات لطهران، وان محاسبة و محاکمة المالکي ستقود بالضرورة في نهاية المطاف لإماطة اللثام عن الدور المشبوه الذي قام به النظام في إيران في العراق خلال 8 أعوام من حکم المالکي.
&
مراجعة عهد المالکي مليا، تبين بأن هناك الکثير من الملفات و الامور و القضايا التي تستوجب إجراء تحقيقات دقيقة فيها بدءا من إقصاء الاطراف و الشخصيات و مرورا بالفسادين المالي و الاداري و بالحملات و الحرب ذات النزعة الطائفية له ضد السنة في العراق و إطلاق يد الميليشيات الشيعية في البلاد و شن 9 هجمات دموية ضد اللاجئين الايرانيين في العراق من أعضاء منظمة مجاهدي خلق، ناهيك عن توريط العراق في الازمة السورية من خلال إرسال المرتزقة العراقيين للقتال هناك الى جانب قوات النظام السوري، کل هذا و غيره، هي في الحقيقة حاصل تحصيل الاوضاع التي قادت الى سقوط الموصل و التي بالطبع کان المالکي بطلها الرئيسي، وليس الاخرين الذين کانت ادوارهم هامشية او غير ذات تأثير في السياق العام لسقوط هذه المدينة و حدوث ماقد حدث!