أربكت السويد بقرارها الاعتراف بدولة فلسطين دول الاتحاد الأوروبي ووضعتها& أمام أزمتين، الأولى تجاه موقفها الأخلاقي أمام العالم وهي تصر وتشدد على جملة من المفاهيم الأمنية والسياسية والأخلاقية المرتبطة بإسرائيل والحرص على ضمان أمنها المطلق، والثانية بفقدان المبررات التي تجعلها لا تتعاطى بجدية مع هذه القضية رغم مرور عشرين سنة على بداية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين للوصول للسلام.
أوروبا تواجه ملفات أكثر إلحاحا من الملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية،& اقتصادية و أمنية، ووجدت نفسها تواجه الموضوع الذي أعادت السويد وضعه تحت الأضواء مما& أربك صناع السياسة الخارجية للإتحاد ووضعهم أمام مأزق الابتعاد عما سطرته السياسة الخارجية الأمريكية في ملف السلام بالشرق الأوسط بربط الاعتراف بالتوصل لاتفاق سلام، أو تجاهل التعاطي مع الموضوع مما سيحمل الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة مسؤولية تجاه رأي عام أوروبي يتعاطف بشكل كبير وواضح مع حق الفلسطينيين في إنهاء الاحتلال والعيش بدولتهم المستقلة.
الهروب الأوروبي من التعاطي بجدية مع الموضوع بدأه البرلمان الأيرلندي، ولحقه البريطاني وصولا لقرار بأغلبية ساحقة في البرلمان الإسباني في انتظار تصويت مماثل للبرلمان الفرنسي، وهذا يعكس أن برلمانات هذه الدول تؤيد صراحة الاعتراف بفلسطين، لكن القرارات غير الملزمة المتخذة لا تخرج عن بيع كلمات لا قيمة سياسية& لها في الواقع بل محاولة لإرضاء الفلسطينيين ومنحهم جرعة أمل بأن دولتهم ستنال الاعتراف في الوقت المناسب الذي لا يعلم متى سيكون.
التهرب من استحقاقات سياسية وأخلاقية تفرض نفسها في السياسة الخارجية لدول الإتحاد الأوروبي تؤكد استمرار واشنطن في هيمنتها على القرار الأوروبي بقوة، والحديث عن سياسة مستقلة أو رؤية أوروبية مختلفة للأزمات والصراعات في العالم أو في حده الأدنى للمنطقة المرتبطة جيو استراتيجياً بالقارة العجوز مازال محض أوهام بعيدة المنال.
السلام في الشرق الأوسط سيبقى يراوح مكانه ومعادلة الخبز مقابل الجمود السياسي التي شكلت معيار السنوات العشر الماضية ستبقى المسيطرة على الحال الفلسطيني للفترة القادمة في ظل انعدام أفاق البحث عن حل لتحقيق السلام وتعثر مشروع واشنطن بإعادة رسم "ربيع عربي" أو بدائل للحالتين الإسرائيلية والفلسطينية، وترحيل الملف من الاهتمامات العاجلة إلى القضايا المؤجلة يشكل الحل الأمثل لانعدام الحلول والبدائل السياسة في الجانبين.
اليأس من إمكانية إيجاد حل عادل للقضية وتضائل فرص التوصل للسلام وانتفاء سبل إقامة دولة فلسطينية، تفتح الباب لحلقة جديدة من الصدام الأكثر دموية والأشد عنفاً بتجسده خارج نطاق المفاهيم التقليدية لحلقات العنف في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدأت تظهر معالمها بأسلوب العمليات الجديدة التي ينفذها فلسطينيون ضد الإسرائيليين دون سلاح وبأدوات مبتكرة يصعب توقعها أو التعامل معها.
أوروبا التي كان لها اليد الطولي في مأساة الفلسطينيين تغل يدها اليوم عن الاعتراف بحقهم& بدولة مستقلة، وتختبئ وراء بيع الوهم للفلسطينيين لإخفاء عجزها عن اتخاذ موقف شجاع خارج دائرة الموقف الأمريكي الذي يحدد لأوروبا سياستها الخارجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

&