دعا مروان البرغوثي من سجنه الإسرائيلي إلى انتفاضة فلسطينية مسلحة، ضاما صوته لحماس وسائر التنظيمات الفلسطينية المتطرفة التي لا تعترف أصلا بإسرائيل وتواصل حمل الشعارات العتيقة عن تدميرها. وقد وجدت الدعوة ترجمتها العملية في مذبحة المعبد اليهودي واستعمال السكاكين للذبح على الطريقة الداعشية . ويستحسن بالمناسبة أن نتذكر أن انتفاضة الحجارة السلمية أكسبت القضية الفلسطينية رصيدا دوليا بينما أدت الانتفاضة الثانية، التي استخدمت العنف، إلى العكس تماما. وكان ذلك غداة رفض الراحل عرفات لصفقة بيل كلينتون التي كانت تعد باسترجاع نحو تسعين بالمائة من الأراضي المحتلة وأما البقية فتكون موضوع مفاوضات تبادل للأرض. رفض عرفات واختار بدل ذاك الانجرار مع دعاة الانتفاضة المسلحة فحسرت القضية أنصارا كثيرين ولم تسترد شبرا من الأرض. وعام 2007، في نهاية عهد بوش الابن، توصل الفلسطينيون وإسرائيل الى صفقة شبه كاملة وخارطة طريق وذلك في أنابوليس، على ان تبحث قضية الاستيطان على حدة وفي مفاوضات منفصلة. ولكن الجانب الفلسطيني قاطع المفاوضات مع عهد الولاية الاولى لاوباما مع ان اسرائيل كانت قد جمدت الاستيطان لمدة شهورعشرة. ويظهر ان القيادة الفلسطينية الشرعية وقعت، كما وقع الكثيرون من العرب، في وهم ان اوباما قادر على تقديم الدولة الفلسطينية من جانب واحد.
&حماس وأخواتها وكثيرون من العرب لا يؤمنون اصلا بالحل السلمي ولا يزالون يعتقدون بحكاية تدمير دولة إسرائيل، كما كان يدعو أحمدي نجاد علنا، وهم ينطلقون من عقدة كراهية دينية وكأن القضية حرب دينية. والحال أن الوقائع برهنت على ان لا مفر من طريق التفاوض وهو وحده يساهم- في الوقت نغسه- في عزل غلاة المتطرفين في إسرائيل.. ومنذ توقفت المفاوضات، خسر الفلسطينيون الكثير وازداد الاستيطان بوتيرة متسارعة وهو ما لا يعوض عنه أي نجاح دبلوماسي رمزي كالاعتراف بدولة فلسطينية مع ان المجتمع الدولي كله معترف بالدولة الفلسطينية وأقصد الاعتراف بحل الدولتين. وكان جورج دبليو بوش في بداية ولايته الثانية قد دعا لحل الدولتين في خطابه بالامم المتحدة وقال لاسرائيل إن وجود دولة فلسطينية هو لصالحها ايضا. ونقول إن كل اعتراف اسمي جديد لا يسترجع الأرض مهما كانت القيمة الدبلوماسية لرمزيته. ومع واقعة المعبد اليهودي، فإن القضية تخسر ولا تربح.. ولابد لعقلاء فلسطين من عزل دعاة العنف ومن البحث عن المخارج المناسبة التي تؤدي لتضامن دولي أقوى وإلى مزيد من الضغط على حكومة إسرائيل وحملها على وقف الاستيطان مرحليا وتقديم التنازلات التي تخلق الارض والمناخ المناسبين لمفاوضات مفيدة وناجعة .
إن القضية الفلسطينية ليست قضية دينية كما يريدنا المتطرفون أن نعتقد. كما أنها لا تنحصر في القدس الشرقية، ناهيكم عن المسجد الأقصى والصلاة فيه برغم الأهمية والمغزي المقدسين لذلك. القضية سياسية وهي قضية استرجاع أراض محتلة وبناء دولة. وموضوع القدس ذو صلة بذلك. وللتذكر والاستعبار، فان القدس الشرقية ضيعها حكام مزايدون باسم فلسطين، وهنا نقصد الراحل عبد الناصر وحافظ الأسد ومن سار معهما في كارثة 5 حزيران. المزايدون من الحكام والنخب في العالمين العربي والإسلامي عملوا على اختزال القضية الى القدس واستخدام اسم المدينة لاغراض شتى لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية. فنظام خميني أنشأ فيلق تصدير التطرف والطائفية والإرهاب باسم فيلق القدس. وكان صدام قد أعلن عن تأسيس جيش باسم جيش القدس دون أن يفعل شيئا للقضية، ولكن كإحدى المليشيات لقمع العراقيين.
وبالعودة للأزمة الراهنة، فكان قد تم التوصل في عمان لتسوية مرضية فيما يخص دخول المسجد الأقصى، حتى تدهور الوضع بسرعة ولغير صالح الشعب الفلسطيني وقد قدم المغامرون المتطرفون من عشاق السكاكين هدية مجانبة لإسرائيل ولاسيما لغلاة المستوطنين . وهكذا يتلاقي الغلاة من الجانبين وتخسر القضية.&

&