يُعد الكلام عن عملية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المشاركة البرلمانية خطوة ما بعد ديموقراطية ومتقدمة تتيح لفئات المجتمع التواصل مع ممثليهم في المجالس العامة، كون هذه الوسائل تمثل مساحات محايدة للتعبير عن افكارهم تجاه القوانين والمشاريع المقترحة، وهي تتيح تجربة تفاعلية استثنائية وفريدة لوقوف المسؤولين على التوَجّهات العامة في المجتمع، وهي وسيلة اثبتت تفوقها على اية وسيلة او قناة اعلامية مسموعة او مرئية حيث تشير أحدث الاحصاءات الى ان 74 مليون شخص يستخدمون فيسبوك شهريًّا 65 % منهم يتواصلون مع الموقع عبر الاجهزة المتحركة، وهناك 1.3 مليار انسان يزور هذه المنصة.

ومن هنا فإن النواب أمام تحديات حقيقية بوصفهم سيكونون تحت مجهر المساءلة المفتوحة والدائمة مما يفترض استراتجيات تواصلية تضمن التفاعل البنّاء سواء لجهة منح المجتمع الثقة بممثليه الذين اختارهم، ام لجهة قدرة النواب على اقناع الجمهور بفعالية ادائهم.

وعلى الرغم من ان المجالس النيابية تقُرّ بضرورة مواكبة العالم السيبيري واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل مع الجمهور واشراكه في العملية الديموقراطية وآلية صُنع القرار، إلا انها في الوقت عينه تخشى وبشكل عميق قدرة الآخرين عن التعبير عن وجهة نظرهم بشكل مباشر مما قد يظهر مكامن الخلل بشكل سريع مما يجعل المسؤولين في موقف حرج لا يتمكنون من خلاله الدفاع عن انفسهم.

فالحوار المباشر مع صناع القرار يتطلب منهم اعتماد منهج تواصلي منفتح ولبق وسريع كون النواب مؤتمنين على نقل تطلعات من يمثلون، ان لجهة عملية سنّ القوانين او للدور الرقابي الذي ينبغي ان يلعبه البرلمان تجاه اللجان المُشَكلة في الوزارات ومراقبة اداء الحكومة بشكل عام وتفعيل انجازاتها.

هذا من الناحية النظرية المفترضة بيد أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المؤسسات العامة محفوف بالمخاطر لجهة استغلال بعض السلطات لذلك من خلال متابعة حسابات "معارضيها " او لمن تشك في رأيهم مما يؤدي الى "اعتقالات" او اضطهاد و معاقبة من أبدى رأيه المخالف؛ كما أن ذلك سيجعل ممن يشتغلون في المجال العام عرضة للأكاذيب او حملات التشهير او اختراق الخصوصية من جهة أخرى... كما أن الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي والحوارات المباشرة ستتيح الفرصة لغير المواطنين والمقيمين على ارض معينة التدخل وابداء ارائهم في امور قد لا تعنيهم مثلا او ستكون مشاركتهم من وجهة نظر ثقافية مغايرة، فكيف "لمواطن اسكندنافي على سبيل المثال ان يدلي برأيه في قضية برلمانية محلية؟"

استراتيجية استباقية:

فما هي إذن الاستراتيجية الفعالة لادارة وسائل اعلامية تواصلية بناءة؟

ان ذلك يتطلب بالدرجة الاولى وقبل كل شيئ سبر الوعي الديموقراطي وحسّ المسؤولية وتطويرهما، وهو ما يُترجم عبر استراتيجية استباقية بعيدة عما هو معمول به في الادارة العادية المبنية على الهرمية كون عملية القرار حينها ستكون تشاركية، ومن ثم فإن الوضوح التام والشفافية والنزاهة والاعتراف بالخطأ والسرعة المناسبة في ادارة الموضوعات والنقاشات المطروحة على وسائل التواصل الاجتماعي كلها من شأنها ان تحد من السلبيات في انتشار الشائعات، فلو حصل امر ما سلبي في ادارة رسمية وتداولته وسائل الاتصال ليلا او خارج اوقات العمل الرسمية فإن الامر يتطلب توضيحا سريعا بسرعة فاقة وبشكل واضح لا لبس فيه، لأن انتظار خروج البيانات الرسمية وعقد مؤتمرات الصحفية التقليدية في اليوم الذي يليه سيؤدي الى انتشار الشائعات المغلوطة كانتشار النار في الهشيم فتعلق في أذهان الجماهير الشائعة دون التوضيح او التصويب الرسمي.

كما ان التعامل اللبق والمحترم واستخدام تقنية "سدّ الفجوات " في الاسئلة ذات الطابع المباشر تفاديا للاجابة الخاطئة سبيلا فعّالا لامتصاص الغضب او السؤال المستفز، بحيث تكون الاجابة قصيرة ووافية، وينبغي على ممثلي البرلمانات عند التعاطي مع وسائل الاعلام مهما كانت ان يضعوا نصب اعينهم ان وسائل الاتصال والاعلام ليست موجودة لعمل علاقاتهم العامة.

ومن هنا فإن اعادة النظر في القوانين والبروتوكولات البرلمانية من الأهمية بمكان لتيسير الاستخدام الامثل لأدوات التواصل الاجتماعي وتشكيل فرق عمل طوارئ لادارة الأزمة اعلاميا بحيث تكون استخدامات أدوات التواصل مناسبة فيما يتعلق بمضمون المحتوى و اللغة والاسلوب.

ان فئة الشباب هي الشريحة الأكبر في مجتمعاتنا لا سيما العربية، وهي فئة لم تعد تعتمد على الفضائيات لاستقاء معلوماتها، لذلك فإن انفتاح المؤسسات الرسمية والبرلمانات الاستباقي المدروس والمرن على تلك الوسائل سيؤسس لتوازن مستقبلي وتواصلي مع جمهور الناخبين المفترضين وصناع القرار المستقبليين، لأن الخوف والحذر من خوض التجربة الانفتاحية سيؤدي الى قطيعة مع فئة تُعدّ الاهم خلال الاعوام المقبلة.

&أخيرا؛ ان المرتكز الاساس لادارة الاعلام المستقبلي ينبغي ان ترتكز على فلسفة ورؤيا واستراتيجية تخدم الانسان قبل كل شيئ، لأن اي أداة فكرية من شأنها ان تكون بناءة وهدامة في آن معا، والامر مرهون بالوعي بالدرجة الاولى.

لذلك فإن الموضوع مرتبط بالسؤال الثقافي والحضاري قبل كل شيئ لكي لا تتحول ساحات التواصل الاجتماعي الى ساحات للردح والردح المضاد، كونها تتميز بقدرة عالية على شحن الطاقات، وهو دور مزدوج فإما أن تتحول وسائط التواصل الاجتماعي الى أداة فاعلة في الحوار، أو تتحول الى أداة تفتيت مدمرة تغذي العصبيات المذهبية والعرقية او تكون اداة للنشر الشائعات المفبركة والأكاذيب وتساهم في إنتاج مجتمع مشحون و تصبح مواقع التواصل الاجتماعي مكبا للنفايات الايديولوجية وأداة لتسويق ثقافة العنف!

أمام كل ذلك فإنه من الأهمية بمكان تحديد الإجابة عن أسئلة مهمة بدقة مفادها: أي منتج فكري الذي سيتم تداوله في وسائط الاتصال؟ و هل هذه الوسائل منتجة لعقليات منفتحة مبدعة قادرة على خلق فرص التعايش والمشاركة في البناء السوسيولوجي الاجتماعي وقادرة على تطوير الأداء السياسي؟ وهل تساهم مساهمة فاعلة في تطوير وتنمية الفكر النقدي والتفاعل الحضاري وطرح القضايا بشكلها العقلاني؟

أسئلة مهمة ومتشعبة لا يمكن حصرها في مقال مقتضب او مداخلة قصيرة، ولكن الاسراع في تبني استراتيجية اعلامية تواصلية انفتاحية هادفة من شأنه ان يحدّ من فداحة وتيرة تسارع تناقل الاحداث المغلوطة والفتاوى الغير موثقة فيما اعلام المؤسسات الرسمية حبيس البيانات الرسمية المطولة والمملة. فغدا يكون قد فات الأوان!

&

كاتبة واعلامية