الابتسامة العريضة التي إرتسمت على ملامح الرئيس روحاني وهو يطل على الشعب الايراني و العالم بعد التوقيع على إتفاق جنيف المرحلي في نوفمبر من العام الماضي، هي نفس تلك الابتسامة التي خرج بها على الشعب الايراني بعد الاتفاق الذي وقعه مع وفد الترويکا الاوربي في عام 2004 أيام کان الامين العام لمجلس الامن القومي في البلاد وکان بنفسه يقود وفد المفاوضات، حيث تباهى وقتها بأنه نجح في إستدراج الاوربيين و التمويه عليهم بما يخدم المصالح العليا للنظام السياسي في إيران.

هذه الابتسامة التي لاتکاد أن تفارق محيا الرئيس ولا وزير خارجيته ظريف، هي إبتسامة کما يبدو قد راقت للرئيس اوباما و جعلته يثق أکثر بروحاني الذي أطل کرئيس جديد يحمل في جعبته معاول الاصلاح و مهفات الاعتدال، ولئن تصور البعض بأن اوباما لايمکن أن يذهب بعيدا في إنبهاره بتلك الابتسامة، غير ان مبادرته بإجراء مکالمة هاتفية مع روحاني أثناء زيارته لنيويورك و التي أحدثت ردة فعل غير عادية في إيران، وماقيل عن تلك الرسالة التي بعثها الى المرشد الاعلى للنظام الديني، أعطت إنطباعا بأنه قد إنبهر أکثر من اللازم بتلك الابتسامة و بنى عليها آمالا إستثنائية.

إتفاق جنيف المرحلي الذي لم توقعه طهران من تلقاء نفسها و لا رغبة مؤکدة منها لحسم و حلحلة معضلتها النووية، وانما سار وفدها الى هناك کأي وفد بلد مهزوم ينتظر الشروط و الاملاءات التي لايجد من مناص سوى الرضوخ لها، فإيران کانت خلال اواخر عام 2013، تمر بظروف عصيبة جدا وکانت أشبه ماتکون ببرکان قد يثور في أية لحظة، وکان حينها يدور الکلام حول مقارنة بين إيران عام 1988، عندما إضطر آية الله الخميني للتوقيع على إتفاقية وقف إطلاق النار التي وصفها في حينها بإجتراعه لکأس السم، وبين إيران عام 2013، وخامنئي في وضع يضطره لإجتراع کأس السم النووي، وکانت کل التوقعات في حينها متشائمة او ضبابية في أحسن الاحوال بالنسبة لمستقبل النظام الديني القائم في إيران.

مفاوضات مسقط التي هرول إليها جون کيري وهو يضع يده على قلبه متأملا إدخال الفرحة و البهجة الى نفس و روح الرئيس المتوجسة قلقا من رهانه الکبير على الابتسامة العريضة لروحاني، ولکن 12 ساعة من المفاوضات توزعت على يومين"وهو وقت طويل وفق الاعراف الدبلوماسية"، لم تتمکن من تحقيق أي تقدم سوى تلك الابتسامات البلهاء التي ماأنفك وزير الخارجية الايراني توزيعها على کيري و آشتون بالتساوي، وکما هو الحال في کل جولات المفاوضات السابقة، فلم يعد أمام المجتمعين في مسقط سوى التعويل على الجولات القادمة بإنتظار تحقيق المعجزة و منح الامل لموعد 24 نوفمبر القادم الذي يظهر على محياه منذ

الان معالم الشحوب و الذبول ومن الواضح أن مفاوضات فينا او الجولة العاشرة و النهائية للمفاوضات النووية التي أعقبت إتفاق جنيف المرحلي، لاتوجد هناك بارقة أمل ما تدعو للثقة بإحتمال أن تتحقق المعجزة و يتم التوصل للإتفاق النهائي، خصوصا وان وزير الخارجية الايراني قد أدلى بتصريح سعى من خلاله لإلقاء اللوم ضمنا على الدول الکبرى في حال عدم التوصل للإتفاق النهائي بما يعني أن العقدة في الدول الکبرى و ليس في طهران، وفي هذا الامر أکثر من عملية مواربة و خداع و تمويه و ضحك على الذقون بما فيه ذقن الرئيس اوباما شخصيا!

مايجب على مجموعة خمسة زائد واحد أن تدرکه و تعيه و تستوعبه جيدا، هو أن نوفمبر 2013، هو غير نوفمبر 2014، وان البرکان الايراني الذي هدأ نسبيا بفعل المهدئات المجانية التي منحها الرئيس اوباما عن طيب خاطر لنظيره لقاء إبتسامته العريضة، وفرت أجوائا أکثر من مناسبة للمرشد الاعلى کي لايضطر لتجرع کأس السم النووي، خصوصا وان إيران تواجه صعوبات إقليمية العديد منها عويصة، وان رهان الرئيس اوباما کما يظهر لايسير کما کان متوقعا و منتظرا، ولاسيما وان أسراب الصقور الجمهورية التي هيمنت على الکونغرس و مجلس النواب، لن تدع الرئيس هانئ البال و الخاطر و ستجعله أمام مأزق لايحسد عليه، لأن المرجح هو عدم التوصل الى التوقيع على الاتفاق النهائي بحلول 24 نوفمبر، والاعتقاد السائد هو انه سيکون هناك موعد جديد، وهو ماسيعني بالضرورة نصر إيراني جديد من حق روحاني أن يتفاخر به، خصوصا وأن المأزق النووي الذي يعتبر المرشد الاعلى معنيا به على وجه التحديد، قد وهبته إبتسامة روحاني الرئيس اوباما شخصيا ليشاطره في مأزقه!