· تمهيد واجب:&

أنا شخصيًا أفضل تعريف مصطلح "الذين لهم موقف مِن الأديان". فالإلحاد أو اللادينية أو الوجودية، أو الإنسانية، هي مواقف فكرية واتجاهات متعددة على مستوى العالم، وهناك مدارس متعددة تتباين فيما بينها. والذي يجمع أغلب هذه الاتجاهات معًا، هي أنها تعتمد على استقلالية وتفرد الشخص ذاته دونما سيره في قطيع أو جماعة.
وبناء على هذا، فأنا في أي موقف حواري أو مقابلة تليفويونية أو تحقيق صحافي أو مقالة أكتبها أمثل نفسي فقط، ولا أمثل أي تنظيم أو جماعة أو مجموعة. وأرفض تمامًا بعض التوصيفات أو "الفرقعات" الإعلامية مِن قبيل "الاب الروحي للملحدين" أو "زعيم الملحدين" كما أطلقت بعض الصحف الورقية أو الالكترونية عني مما تسبب في ملاحقات قضائية وتوقيع عقوبات إدارية.
الأهم أيضًا، هو أنني لا أهاجم أو أتحدى أي مؤسسة دينية ولا أزدري أي إنسان وهذا هو الأهم مِن الأديان ـ مِن وجهة نظري ـ مع مناداتي لإلغاء القوانين سيئة السمعة مثل قانون "إزدراء الأديان"، لأن هذا يَعني أن الأديان تحتاج مَن يُدافع عنها ضد رافضيها.&
&
كما أنني لا أدعي إطلاقًا إمتلاك الحقيقة المطلقة وغيري هو على خطأ، لكن أدعو إلى إعمال العقل فيما بين أيدينا مِن "نصوص" مضى عليها مئات السنين وكتبت في ظروف بيئية وثقافية لا تتناسب مع واقع متغير وبيئة مختلفة وحضارة متجددة.
كما أدعو إلى مناقشة وبحث وفحص وعدم تقديس قوانين المؤسسات الدينية والقائمين عليها، مِن كهنة وشيوخ وقساوسة، على إعتبار أنها مؤسسات مجتمعية وهي التي قررت التداخل بينها وبين المجتمع خارجها، لكنها إن التزمت بخصوصيتها العقائدية دون أن تخرج خارج جدرانها ولا تفرض واقعها وتقف حائلا دون وجود حياة لغيرها، وقتها فلا لوم ولا مناقشة لما يخصها داخل جدرانها.
&
· تعريف وتحديد:
الإلحاد، كما هو معروف، هو رفض لوجود قوى عظمى وراء تكوين هذا الوجود، وبالتالي فهو رفض لكل ما يُسمى بالعقائد الدينية والماورائيات وتوابعها مِن غيبيات ماضية وغيبيات أخروية في ما بعد نهاية وجود الفرد ذاته، فحياته تنتهي بوجوده على هذه الأرض.
&
والإلحاد يختلف عن اللادينية التي تَرى أن هناك قوى عظمى تسمى "الله" أو "الإله" أو "الرب" أو أي مُسمى آخر، لكن لا تعترف بأنه أسس الأديان وكتبها أو أوحى بها أو أرسلها، بل هي أنظمة بشرية كانت في وقت معين وبيئات مختلفة وانتهت بنهاية مبدعيها أو مدعيها.
&
وهناك إتجاهات فكرية أخرى لا يعنيها وجود البدايات، أو الإهتمام بالنهايات، لكن يعنيها وجود الإنسان الأفضل الان، وعلاقاته السوية الصالحة مع شركائه في هذا الوجود.
&
· توصيف الواقع:
في عالمنا الشرق أوسطي على وجه العموم، ونتيجة وجود مسقط للأديان المختلفة بداية مِن الديانات المصرية القديمة والديانات الأشورية والبابلية وغيرها، والتي أخذت منها اليهودية والمسيحية المصرية الكثير، وكذلك تأثر بها الإسلام في كثير مِن نصوصه وطقوسه.&
&
وبِناء على هذا، أستطيع القول أن الالحاد ـ تحديدًا ـ في مجتمعاتنا العربية، لا يُكّوَنُ منذ الصغر لكن يَبدأ الفرد في أخذ موقف مِن الأديان والألوهية في مرحلة متقدمة مِن عمره بعد أن يكون "رضع" كثير مِن الغيبيات الدينية الاجبارية خلال دراسته في المدرسة والجامعة، دونما فُرص حقيقية لمعرفة الاتجاهات الفكرية الأخرى بحيادية وموضوعية.
الان، في مصر وأغلب الدول العربية، وضحت ظاهرة انتشار الذين اخذوا موقف مِن الأديان لوجود وسائل الاعلام الموازية للإعلام الفضائي، كوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.وهي وإن كانت ظاهرة وواضحة، لكن في ظني أنها لا تستحق الدراسة، بقدر وجود مشكلات اجتماعية اخرى تهم المجتمع أكثر منها، إلا إذا كانت هذه الظاهرة تَقُض مَضجع "كهنة الأديان الذكور" وتزلزل سلطتهم وتسيدهم على "رعاياهم" مما يفقدهم مراكزهم ونفوذهم وسيطرتهم على تابعيهم بإعتبارهم "رعاة" لهذه القطعان البشرية.
&
· بداية الظاهرة وردود الأفعال:
ربما الارهاب المعنوي، والتضييق الفكري لرجال الدين هي شرارة البحث الأولى في ما وراء تسلط رجال الدين والبحث في ما هي النصوص و التعاليم التي تدعوهم لإزدراء الانسان كفرد مستقل مِن أجل تسيدهم بإسم هذه النصوص على مجتمعاتهم؟
&على الجانب الأمني في بعض البلاد، فلا اعتقد أن الامن يهمه إلا امن واستقرار البلد وليس معتقدات الافراد وآرائهم، إلا إذا كان رجال الأمن مِن المسؤولين الدينيين الذين يرتعبون مِن ترك الساحة الفكرية مفتوحة وحرة لآراء ومعتقدات غيرهم، خوفًا حتى لا يغيروا عقول تابعيهم، فتكون النتيجة مزيد مِن النضج الفكري والاستقلال عن كراسي هؤلاء الكهنة، مما يعني اهتزاز السلطة والمملكة على "الرعية".
إن الذين يرتعبون مِن وجود اللادينيين هم مَن يحافظون على تسيدهم، وسلطانهم، وهم رجال الاديان، الذين يرتعبون مِن تسرب القطعان خارج حظائرهم، فيفقدون دورهم التسلطي كونهم "رعاة"، وكون التابعين "قطعان" لهم.
&
· سؤال: الإنسان أم الأديان؟
أنا شخصيًا، ما يَعنيني، بصفة خاصة هو ما يَزدري الانسان، وما يَمنع عنه ممارسة فردانيته واستقلاليته وفرض تسلط "رجال الأديان" وتَسيدهم عليه بإسم مُقدسات صنعها مجموعة مِن أفراد لا تنتمي للعصر الحاضر ولا البيئة ولا الثقافة التي نحيا فيها.
إن كانت هذه الأديان تقتصر على نفسها داخل جدرانها، فلا علاقة لنا بها، لكن إن خرجت ومارست سلطانها وتداخلها في الشئون المجتمعية مثل قوانين الاحوال الشخصية أومثلا التقليل مِن قيمة النساء بناء على نصوص قدسها وصنعها "ذكور هذه الأديان" التي يُبنى عليها الميراث، والزواج بأكثر مِن أنثى، أو أن شهادتهن في المحكمة نصف شهادة الذكر، أو رفض أن تكون في مناصب قيادية لأن النصوص الدينية ترفض ذلك، هنا لابد لنا مِن وقفة، لأنها خرجت إلينا تمس فردانيتنا وتفرق بيننا بِناء على تبعيتها.
وللاسف، فإن كنا ننفذ القوانين المفروضة علينا فذلك لأنه ليس هناك مخرج لكي نمارس "وطنيتنا" إلا الخضوع للقوانين المتاحة.
الذين يتخذون موقف مِن الأديان في مصر أو في عالمنا العربي لا ينادوا بالحرب المادية ضد أصحاب الموروثات، لكن يَهمهم تغيير الغيبيات والمفروض، بعد التوعية بحق الإنسان أن يختار قراراته وايضا احترام هذه القرارات الفردية وعدم محاربة الاخر المختلف عن أي جماعة.
&
· الفرد أم الأسرة؟
على المستوى الأسري الأصغر، فالأسر، يهمها في المقام الاول أن تكون معاملة اللاديني معها معاملة حسنة راقية مفادها احترام خصوصيات بعضنا البعض وعدم فرض الرأي والمعتقد، بل حرية التعبير والتفكير لكل فرد مِن أفراد الأسرة.
وليس بالضرورة فرض ممارسة الطقوس الدينية، فليس هناك حاجة لذلك، إلا إذا تم قسر ممارسة معتقدات الاخرين على اللادينيين، مثل فرض ممارسة الطقوس التي تمارسها أحد الأديان المعترف بها، فالذي اتخذ موقف مِن الأديان يَهمه العمل والانتاج الذي يَخدم البشرية ووجوده كفرد مستقل يُقدر المجتمع واستقراره وليس ممارسة طقوس تجعله يَكسب ما لا يَراه وقت مَا لا يُدركه.
&
&
&