مهما إختلف تقييمنا لدوافع أزمات العراق المتتالية ومنها الأزمة الراهنة والتي تُعَدُ الأخطر، إلا إننا يجب أن لا ننسى أو نتغافل عن بعض الحقائق وأهمها، إنه ومنذ تأسيس الدولة العراقية على أيدي الأنكليز بحدودها الحالية بعد الحرب العالمية الأولى، لم تستطع مكونات هذه الدولة العرقية والطائفية أن تجد لها قواسم صلبة راسخة للعيش المشترك تنطلق منها لتكوين دولة قوية الركائز متينة البنيان تصبوا الى التقدم والتطور وتحقيق مستوى من العيش الكريم لهذه المكونات التي شُكِلت منها الدولة،،فخلال ما يقارب القرن من الزمن على رسم خارطة العراق&الجغرافية بحدودها الحالية بقلم إتفاقية سايكس- بيكو مَرَ العراق بالكثير من الحقب والمنعطفات الصعبة، وكل حقبة كان لها سجل حافل بالمآسي حيث التصفيات الجسدية الدموية التي كانت تتم في أغلبها على أسس عرقية وطائفية،هو دليل واضح على إن هذه المكونات بقيت حبيسة لنزعاتها الطائفية والعرقية ولم تستطع الخروج منها الى فضاء أرحب وأوسع هو فضاء الوطنية والمواطنة، إن بقاء العراق موحدآ رغمآ عن مكوناته طيلة المائة عام الماضية كانت تكلفته البشرية والإقتصادية باهضة الثمن حيث ضحايا هذه الوحدة المزيفة مئات الألوف من القتلى ومئات المليارات من&الدولارات ضاعت هدرآ من إقتصاده الريعي القائم على إستنزاف النفط، رافقه إنحطاط وتراجع شمل جميع نواحي الحياة الثقافية والعلمية وحتى الإجتماعية.

فالأكراد وهم مكون رئيسي من هذه المكونات لم يستطيعوا الخروج من حصونهم الجبلية والإندماج في الدولة العراقية وكانوا دائمي التمرد والعصيان ضد كل أنظمة الحكم التي توالت على حكم العراق حيث لم تستطع كل الحكومات المتعاقبة أن تحد من مطالباتهم القومية وحقهم في إنشاء وطن قومي لهم حالهم حال بقية القوميات في المنطقة، ونتيجة لذلك كان الصدام معهم مستمرآ حتى وصل الى إستخدام السلاح الكيمياوي المحرم ضدهم لإجبارهم على القبول بوحدة قسرية يرفضونها عرقيآ وثقافيآ وحتى نفسيآ، وهذا الأمر ينسحب أيضآ على أبناء الجنوب والوسط اللذين لهم نسيجهم&الإجتماعي والطائفي الخاص بهم وقد عانوا ما عانوا من تسلط وتمييز لكونهم شيعة لهم خصوصيتهم الطائفية وحتى الثقافية وعانوا مظلومية وتطهير طائفي إمتد على مدى أكثر من تسعة عقود وأي حديث عن تعايش شيعي سني خال من المشاكل حتى لو غُلف بغلاف التداخل العشائري بين الطرفين،يبقى حديث خارج نطاق المنطق والعقل وهو مجرد وهم وحلم بعيد المنال وغير وارد أصلآ،&فالتأريخ الإسلامي المتخم بالمشاكل والمكائد والصراعات على السلطة يُستَحضَر وبقوة عند أي تماس أو نقاش أو حالة خلاف.

إن الخاسر الأكبر من بقاء ما يسمى بالعراق بصيغته الحالية هم الأغلبية الشيعية التي تستنزف مواردها وتستهدف تجمعاتها (كالأسواق والمدارس والمستشفيات وأماكن العبادة) كأهداف سهلة للإنتحاريين السنة بشكل شبه يومي، ولا سبيل لهم إلا بكيان يحفظ حقوقهم ويصون مقدساتهم رغم إن هذا الطموح المشروع سوف يصطدم ببعض العقبات أخطرها هيمنة بعض العائلات الشيعية الأرستقراطية على مقدرات عموم الشيعة في العراق،أما سُنة العراق فحالهم لن يكون بأفضل من حال الشيعة فهم سوف يكونون بين مطرقة التطرف الديني وسندان القومية البعثية، يبقى الكرد أصحاب التجربة

&الأنضج والأنجح والقابلة للتطور والنمو إذا ما إستمر الوفاق بين أحزابهم.

لذلك فالتقسيم أمر مهم وحيوي ويلبي الكثير من مصالح المكونات في العراق وسوف يحل الكثير من المشاكل حتى لو لم يكن هو الحالة المثالية وقد بدأ الكثيرون في العراق يؤمنون بأن العراق الموحد لم يجلب إلا التعاسة لمكوناته وحاله أسوأ من الحالة اليوغسلافية في تسعينات القرن المنصرم، وخلاصة القول يبقى التقسيم أهون الشرور وأقلها ضررآ على المدى البعيد.

&

[email protected]