الرئيس التركي رجب طيب اردوغان محبط هذه الأيام، والسبب اصطدام سياساته غير الواقعية، تجاه المنطقة، بوقائع على الأرض أفشلتها، ومنعتها من تحقيق أهدافها، في سورية أولا، وفي العراق ثانيا، وفي مجمل الخليج والعالم العربي ثالثا. ولم يكن حظه بأحسن على المستوى الداخلي حيث تتصاعد المعارضة الوطنية لسياساته الاقليمية والتركية الداخلية على حد سواء. ويبدو ان اردوغان قد أدرك جيدا ان عليه أن يتحرك، وبأقصى السرعة الممكنة، للبحث عن مخارج محتملة من مأزق سياساته الإقليمية، قبل أن تصبح وبالا محققا على بلاده في مختلف المجالات، وعلى مصير حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه ويحكم باسمه منذ مدة طويلة.&

وفي هذا السياق، أرسل رئيس وزرائه احمد داود أوغلو في مهمة إلى العراق في محاولة لرأب صدع العلاقات مع الحكومة الفدرالية في بغداد، خاصة محاولة تجاوز التوتر الكبير بين البلدين الناجم عن ما يمكن تسميته السياسة الكردية التركية التي اعتمدت تجاهل الحكومة الفدرالية العراقية في كثير من الأحيان، في تعامل أنقرة مع سلطات اقليم كردستان العراق من جهة، وعلى مستوى القلق العراقي من الموقف التركي من تنظيم داعش الإرهابي في العراق، والذي تشير أصابع اتهام كثيرة إلى أنقرة التي يستفيد من دعمها تارة، وغض الطرف عن نشاطاته على الساحة التركية تارة أخرى، ودعمه في مختلف المجالات خاصة في سورية التي وضعت أنقرة في صميم استراتيجيتها إسقاط نظامها السياسي بكل الوسائل ولو كان ذلك بدعم التنظيمات الإرهابية المختلفة التي تنشط عنفا وتدميرا في البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات.

ويبدو ان الموضوع العراقي لا يرقى الى مستوى يطرح فيه الأمر على الرئيس اردوغان التحرك بنفسه، لمعالجة المشكل التي يطرحها، لذلك أناط المهمة برئيس وزراء اسمي لا يملك من اتخاذ القرارات في البلاد غير إعلانها بعد ان يكون اردوغان نفسه قد أعطى الضوء الأخضر بذلك. وفي كل الأحوال، فلم يعد خافيا، على أحد، ان رئيس الوزراء أوغلو قد سمع كلاما قاسيا في بغداد حول سياسات بلاده تجاه العراق، وتجاه اقليم كردستان العراق وحول سورية من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي لم يدخر جهدا في إبلاغ الرسالة الواضحة الى أنقرة بأن العراق بلد مستقل وذو سيادة وان بغداد لن تقبل أي شكل من أشكال الانتقاص من سيادتها في أي مجال من المجالات، وان الوقت قد حان لتصحيح علاقات تركيا مع جارتها.

ولأن المسألة الكبرى التي تؤرق حاكم أنقرة هي علاقاته المتوترة مع دول الخليج العربي بعد انكشاف أمر موقفه" المؤيد" لتنظيم داعش، ولو باستحياء، بدليل رفضه الانضمام الى التحالف الدولي لمحاربته في العراق وسورية، فإنه قرر التوجه بنفسه الى الجزائر لاستكشاف الدور الجزائري في المساعدة على تجنب تدهور العلاقات مع دول الخليج وخاصة المملكة السعودية التي لم ترتح إلى الدور التركي في المنطقة، وخاصة في موضوع داعش الذي أصبح مع التطورات الأخيرة من صلب المواضيع الأمنية لدول الخليج التي تم تهديدها غير ما مرة بأنها ستكون هدفا لاعتداءات هذا التنظيم الإرهابي الذي يرغب في التمدد إلى مجمل دول المنطقة، ويعطي الأوامر لخلاياه النائمة في الخليج لتكون على أهبة الاستعداد عند حلول ساعة الصفر لضرب أمن واستقرار بلدان المنطقة.&

وإذا كان بعض المحللين يذهبون في تحديد أهداف زيارة اردوغان الى الجزائر والقول بانه يحاول الاستعانة بالدور الجزائري في وساطة افتراضية مع سورية فإن واقع سياسة اردوغان وطبيعة الصراع السياسي والاستراتيجي بين أنقرة ودمشق تلغي في الواقع حتى إمكانية التفكير في هذه الوساطة.

وفي كل الأحوال، ما فات الرئيس التركي اردوغان هو ان اللجوء الى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ظروفه الخاصة الحالية أشبه بمضيعة للوقت والجهد، لأن للرئيس الجزائري هموما أخرى، تماماً، تتمحور حول تجاوز واقع العجز الذي يعيشه منذ مدة ليست باليسيرة، والذي أصبح يرهن مجمل سياسات بلاده بالمجهول.

قد يقال ان الجزائر تمتلك من المؤسسات السياسية والدستورية ما يكفي لتجاوز مضاعفات عجز الرئيس عن ممارسة مهامه، غير ان التأمل في طبيعة التحرك الجزائري، في الآونة الأخيرة، يفيد انها مهجوسة بكيفية تجاوز مضاعفات وتبعات عجز رئيسها إلى درجة تحول معها هذا الهاجس إلى قاعدة خلفية لمجمل قراراتها على صعيد منطقة المغرب الكبير وإفريقيا على حد سواء، بل إن محاولات ممارسة تزييف الحقائق حول حقيقة الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، على شاكلة التلاعب بصور استقبالاته لزوار البلاد، دليل قاطع على انها لم تعد تهتم الا بدرء عواقب انكشاف هذا السر المشاع على نطاق واسع منذ أمد طويل.

صحيح ان هذا الواقع لا يسمح بالقول بان "غارقا قد استمسك بغارق"، إلا انه يسمح بالتأكيد على ان الرئيس التركي المحبط قد لجأ الى الرئيس الجزائري العاجز طلبا للنجدة دون ان ينتبه إلى ان "فاقد الشيء لا يعطيه" حتى ولو توفرت لديه ارادة البذل والعطاء.

وهنا تكمن معضلة اردوغان الذي أخطأ في قراءة البوصلة كدأبه في مختلف اللحظات المفصلية والحاسمة في السياسات الإقليمية والدولية، وهو ما سيضاعف من إحباطه وربما أيضاً من حماقاته السياسية في المنطقة.

&