ألم أقل دائما أن المصريين هم أفضل من أدركوا خبث الليل ومكره، وبدلا من أن يصابوا هم بالأرق ورهاب الموت، جعلوا الليل أرقا طوال الدهر! لكي يناموا في جوفه كما نام يونس في بطن الحوت!

تعال وأنظر! هم يُرقّصون الليل كما يُرقّص الهندي أفعاه بمزماره الحزين، وكما يُرقّص المغني بصوته الشجي حصانه، وكما يرقص صاحب الملهى غانية جميلة، وكما يرقص مدير البنك أبوابه لتبقى مفتوحة في الليل كعيون الشياطين، ولتفتح في الصباح كعيون الملائكة، كل ما يخطر ببالك تجده هنا حتى لو كان عرق الآلهة الكادحين في السماء من أجلنا؛ يأتيك بكأس من قصب السكر، أو بكأس من النبيذ الأبيض! وإن شئت بدخان أزرق بلون السماء اللاهية مع الغيوم الجافة!

تعال كما قلت لك!

لا تبق في جزيرة العميان! هنا الأهرامات أعادت ترتيب حجارتها، بل صارت تقف على رأسها وقاعدتها صوب العرش السماوي، تنفث بوجهه كل لوعات القلب، وغازات البطون! فهي لا تريد أن تسقط من ذاكرتها عظام ملايين العمال الذين أفنوا أرواحهم ليرفعوها قريبا من الكواكب! لا تتعب نفسك في الاستفسار من مكاتب السياحة؟ ألا تصدقني؟

تعال وأشهد كل شيء بنفسك، ستجدني بانتظارك في قارب يصعد مع النيل العائد إلى منابعه متطهرا بأتون الشمس! ولو لقيتني سكرانا كما عهدتني أجلس في ظلال أبي الهول؛ وانتظرني حتى أصحو! لا تخش حرس الفراعنة لو أتوك من خلف المومياءات، يحملون رماحهم وسيوفهم، فهم طيبون كالنحل يلسع؛ لكنه يهبك العسل!