لم يخطئ المفكر الفرنسي اليساري ريجيس دوبريه حينما سمّى الولايات المتحدة بانها " يهوذا " العصر الرأسمالي ، فكم وجهاً تحمل في طلعتها هذه المقنّعة الغريبة الاطوار ، تراها مرةً محرّرة للشعوب وأخرى زعيمةً للديمقراطية وتارة اخرى حاملة شعلة الحرية التي استعارتها من فرنسا وهي المنقذة للشعوب الرازحة تحت تسلّط الدكتاتورية والانظمة المتزمتة الفاسدة
وبلا ايّ استحياء ؛ تلبس جلد الحرباء احايين اخرى وتبدو رافعة راياتها الحمر المصبوغة بالدم لتعلن الحرب على الدول الضعيفة بحجج وذرائع محاربة الارهاب بينما هي من يصنع الارهاب بمعيّة الدول المصدّرة له ؛ وتؤجج النزوع نحو العداوة ونشر الكراهية بين شعوب البلد الواحد من اجل ضعضعة الاستقرار وإشعال نار النزعات القومية والطائفية وخلق بؤرٍ للتوتر لهدفٍ مرسوم في اجنداتها لشرعنة التقسيم لا من اجل ارساء السلام بين الاعراق والمذاهب كما يتوهم البعض بل لأجل الاستحواذ على النعمة التي حباها الله لنا والتي صيّرته راعية الكاوبوي نقمة وأذى وكوارث لاتنتهي
مثل هذه الحالات التي تروّجها اميركا في بلادي بان المكونات السياسية المتسيّدة الباقية على عرش الحكم – وبعضهم اذناب الكولونيالية الحالية – لم يعد لها ايّ شغل بالعراق الذي عرفناه قبلا ، وانها تريد بلادا على هواها طالما ان الكرد ليسوا مستعدين للدفاع عن شركائهم في الوطن من العرب او التركمان والشرائح الاخرى فنرى المواطن " العراقيّ " من منبت كردستان يجهّز عدّته وعتاده للقتال الى جانب اخيه الكردي في كوباني السورية المحاذية للحدود التركية ويغفل عن الموصل وسنجار الايزيدية المشكوك في كرديتها لدى بعض أشقّئنا الكرد التي تجاوره وتحاذي كردستان& وكذا الامر ينسحب على المواطن في المنطقة الغربية مما يطلق عليهم بالمكوّن السنّي الذي لايبدي استعداده للوقوف مع اخيه العائش في الوسط والجنوب لكونه اعتُبر من المكوّن الشيعيّ ، هكذا فتّتونا وقسمونا اشلاءً ومِزَقا قبل ان يشرعوا في تقسيمنا قانونا في ألواح مناضدهم وفي اجتماعاتهم ليسهل نهب اموالنا وثرواتنا وبالأخص النفطية منها
ويبدو ان سيدة الامبريالية لاتريد ان تغادرنا وتُكفينا شرورها فمادام النفط هنا فان امريكا رابضة في قلب الشرق الأوسط ولانرى امَدا لتغيير منهجها الطامع الاّ اذا سرنا على الطريق العاثر التي رسمته لنا ولامناص من تغييره طالما بقيت شعوبنا مطيّة لها موهمةً نفسها بان السيدة الكبيرة تريد لنا الخير والاستقرار والعيش الرغيد لنا ظاهرا لكنها تبيّت لنا كيانا مفككا تحت مسمّى الكونفيدرالية باطنا ؛ بحيث يفقد العراقيون وطنا كان اسمه العراق قبل بضعة عقود مضت تَـوَهّمنا انه يمتدّ من زاخو الى الفاو كي تخطط لنا وطنا اخر على هواها يمكننا ان نتعايش فيه بخارطة جديدة غير ماألفنا سابقا وفق معايير الفوضى الخلاّقة باعتبارنا شعوبَ وطنٍ مرتبكٍ غير متجانس بين مواطنيه
واهمٌ من يظنّ ان اميركا تمتلك قلبا رحيما ، فالرأسمال لادين له ولايعرف العطف فأذرع اخطبوط السلاح مليئة بأظفارٍ حادة لايهمها شيء الاّ ان تنهش الشعوب وتدمى اجساد المتعبين والموجوعين لتبقى " لوكهيد " ورفيقاتها شركات السلاح الاميركي تسوّق ما كسد لديها من اسلحة قديمة متراكمة لتنتج جديدا يطيح برؤوسنا – وهكذا دواليك
انها لعبة جرّ الحبل ، تُسقط هذا الطرف لتسخر منه وفي جولة اخرى تنتصر للطرف الخاسر
هكذا هي وثنية المال وعبادته الراسخة في عقل وقلب سيدة العالم "المتمدن " ، لابدّ ان تصنع حربا ضروساً لتكسب مالاً وثروات طائلة ولتذهب الاجساد الميتة الى مقابرها آمنة مطمئنة فالربّ سيرحمها ويُدخلها الفردوس الموعود ، فلا مكان للأسى والبكاء على الدماء النازفة والدموع الحرّى امام سانديكات مالكي السلاح ومنتجيه وفي اقبية البنتاغون وصالات البيت الابيض ولا حتى في البرلمان ومجالسه ، فالنحيب له مقرّه في المآتم والبيوت التي فقدت عائلها وأحبابها وفي الأضرحة الدينية وأماكن الندب والقبور وذلك ما أعتدتُ عليه وألفته في بلادي الموجوعة بالحروب الدائمة التي تكاد تفتك بأهلي وابناء وطني بشكل يومي وكأنها لاتريد ان تفتر او تستريح قليلا منذ ان بدأ سعيرها في ثمانينات القرن الماضي حتى وقتنا الحاضر
فاليانكي لايهدأ له بال حتى يستنزف كل ماحبانا الله به من كنوز الارض فتراهم يختلقون الحروب لتشغيل وتدوير ماكنات تصنيع السلاح بكل انواعه وهل ادلّ على ذلك ان 50% من ساسة امريكا ونوّابهم في الحزبين الجمهوري والديمقراطي ممولون ماليا من شركات السلاح في الولايات المتحدة ، وكل طلقة يستنزفها المارينز وكل طلعة جوية يُغير بها طيارو التحالف لابدّ ان تدفع من خزائن بلاد الرافدين الموعودة بالغنى الباذخ ومن أرصدة البترودولار العربي والتي تحتوي أرضنا خزينا ستراتيجيا هائلا من النفط ، وأكاد اجزم بان كلف الحرب الباهضة على برابرة داعش لابدّ ان تعوّض من جيوب الفقير لله المواطن العراقي وربما العربي ، فماذا تبقّى اذن لدينا لكي نبني مستقبلا زاهرا لاجيالنا اللاحقة ؟؟
هذه هي زعيمة الديمقراطية حاملة وهج الحرية ومنقذة الشعوب من الدكتاتورية كما تسمي نفسها ميْناً وخداعاً ، ملائكة الارض الطاهرة التي تبكي حالما تشعر بان هناك شعبٌ مضطهدٌ على الارض فتسارع الى نجدته وإنقاذه وتخليصه من عفن الدكتاتورية لا ليخرج طليقا حرّا يسود على وطنه كما يتوهم بعض اصدقائنا الليبراليين ذوي النوايا الحسنة الساخرين منّا لأننا يوصموننا من هواة نظرية المؤامرة ومن عشاق الذرائع ومحبّي الشمّاعات ونعلّق معظم أخطائنا وهزائمنا على الغير ولهذا ترانا من حيث ندري ولاندري اننا وقعنا في شِباك الزعيمة الكبرى اميركا وعشقنا ان نكون أسرى في احضانها الشائكة ومرابعها غير الخضر
يحقّ لنا القول ان بلاد الانكل سام& تنام مع الذئب ليلا ضاحكة مستبشرة وتبكي مع الراعي نهارا كي تواسيه ومن يمتلك تلك المهارات الخبيثة غير " يهوذا " العصر السافل المنحطّ الغارق في وحل السياسة القذر

[email protected]
&