كارثة ان يعتقد المسلم ان لدينا اسلامين احدهما سياسي وآخر غير سياسي، بل انها كذبة ومغالطة كبرى، ومن يردد هذه الكلمة لا يخرج عن أن يكون اما انه جاهل بحقيقة الاسلام وتعاليمه واحكامه، واما يتعمد خلط الأمور وتحريف المفاهيم ليحقق غايات معينة.

ليس لدينا ربا غير رب العالمين ولا اسلاما غير الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا قرآنا غير الذي يتداوله المسلمون في اصقاع العالم ولا قبلة غير الكعبة المشرفة ولا صلاة واجبة غير اليومية والميت والايات والنذر، ولا حجا غير الى مكة المكرمة، ولا صوما واجبا غير شهر رمضان والنذر والكفارة، ولا... ولا..

تتألف جملة الاسلام السياسي من كلمتين، الاسلام والسياسي، فلا اختلاف بين المسلمين على أن الاسلام هو الدين الذي جاء به نبينا الأكرم، اما كلمة السياسي فقد وقع فيها الاختلاف ليس بين المذاهب الاسلامية وحسب بل بين المذهب الواحد، ولكن اذا كان المقصود من السياسي هو الحكم، أليس رسولنا الأعظم أول من أقام الدولة الاسلامية وحكم المسلمين، ووضع أسس السلطة القضائية فوضع القوانين والحقوق والواجبات واقام الحدود والتعزيرات، كما انه ارسى دعائم الاقتصاد الاسلامي ومن بين ما فعله في هذا الاطار هو جباية الخراج والزكاة وتوزيع الثروات على المسلمين.

وأيضا فان الرسول الأعظم قام بالغزوات وفي نفس الوقت الدفاع عن دولة المسلمين، وهذا يتطلب وجود نظام عسكري للدفاع والهجوم، كما أن نبينا كان لديه نهج في السياسة الداخلية تمثلت في طريقة التعامل مع المعارضين ومع أتباع سائر الديانات ومع المسلمين الذين ارتدوا عن دينهم بل وقع اتفاقيات مع بعض الاديان، وأيضا ارسل الوفود الى خارج الدولة الاسلامية مما يشير الى أنه انتهج سياسة خارجية ايضا.

السؤال المطروح هو، هل تفاصيل الحكم الاسلامي واضحة الى هذا الحد؟&

بالتأكيد انها واضحة وجلية بل ان أغلب المسلمين لا يختلفون عليها وانما الاختلاف وقع بين ائمة المذاهب من جانب وبين علماء المذهب الواحد، فعلى سبيل المثال الشيعة الامامية (وهم أغلبية الشيعة) يجمعون على ان الامام المعصوم هو الحاكم الشرعي، ولكن مع غيبة الامام المعصوم (وهو ما يعيشه الشيعة لنحو قرن ويعرف بزمن الغيبة) وقع الخلاف بين علماء الشيعة، ماذا كان مراجع الدين الذين يتولون امور الشيعة خلال فترة الغيبة يتمتعون بذات الصلاحيات التي يتمتع بها الامام المعصوم وفي مقدمتها تولي الحكم ام لا، فهناك من يقول ويدعو الى ذلك ومنهم لا يؤمن جملة وتفصيلا بذلك ويتمسك برواية، أية رواية تقوم قبل الامام المهدي فانها راية ضلال، فيحرم هؤلاء تولي الحكم، ويستندون في رأيهم بالاضافة الى الرواية بان أئمة أهل البيت عليهم السلام ما عدا الامام علي عليه السلام لم يتولوا الحكم، وفيما يتعلق بولاية عهد الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام فحسب ما تذكره كتب التاريخ فان الامام ارغم على القبول بولاية عهد المأمون العباسي.

هذا جانب مهم في قضية تولي الاسلام للحكم، اذ بقيت قضية من لديه شرعية تولي الحكم في البلدان الاسلامية ومؤهلاته شائكة وموضع اختلاف بين علماء المسلمين، اما الجانب الآخر الذي ادى الى اختلاف المسلمين في قضية وجوب تولي الحكم فهو تطور الحياة وتعقيدات أنظمة الحكم والمواثيق الدولية مما يعد تحديا لحكم الاسلام للبلدان، وأعني بالتحديد ان هناك قوانين اسلامية لا خلاف عليها تتعارض مع القوانين الدولية، فمن جهة يجب على الحاكم المسلم الامتثال لقوانين وأحكام الاسلام ومن جهة أخرى القوانين الدولية لا تسمح له بذلك، وهناك أمثلة ونماذج متعددة على هذا الموضوع من بينها قوانين العقوبات وحقوق المرأة والجهاد، اضافة الى التعامل مع الاقليات الدينية في البلدان الاسلامية.

من هنا فان تقسيم الاسلام الى اسلام سياسي وغير سياسي خلط للاوراق، وبما البحث حول هذا الموضوع متشعب فقد حاولنا في هذا الايجاز التطرق الى قضية حكم الاسلام، وفي الحلقة الثانية سنتطرق الى اهداف الذين يثيرون هذه الشبهة والمغالطة، أما الحلقة الثالثة فسنخصصها للذين يحكمون باسم الاسلام ويرتكبون الاخطاء ويخلطون بين الين واهوائهم وانتماءاتهم وانحرافاتهم الاخلاقية والعقائدية.

&