لما يتعلّق الأمر بتعدد الزوجات فإنّ الكثير من المياه الراكدة تتحرّك.. المياه الدينيّة المطليّة بالشرائع والفتاوي.. المياه الجنسيّة المُتْرعة بالمتعة والشهوة.. المياه الحقوقيّة المضمّخة بحريّة الإنسان وحق المرأة في أن تكون "ذاتها" وبمفردها.
وحتى المياه الإرهابيّة المشدودة بأحزمة ناسفة. فالموضوع ينفجر أو يظهر في كل مرة يثار الجدل السفسطائي حول علاقة الدين بالسياسة، أما في الحالات العادية للمجتمعات فإن الموضوع لا يُثار أصلا باعتبار أن مسائل أخرى أكثر أهميّة تطفو على السطح الثقافي والحياتي.
في الحقيقة تبدو المسألة من البساطة بحيث يمكن أن نلوك الموضوع ونمضغه ونضعه على طاولات المقاهي والمطاعم والحانات والمساجد.. ولا حرج من أن نُفتي في شكل الزوجة الأولى وطول الزوجة الثانية وترهّل الثالثة وشهوة الرابعة.. والحديث عن تعدد الزوجات ليس شيئا آخر سوى فعل أشبه بمن يبول في الرمل.. حديث أشبه بالحديث عن اللحية وطول الجلباب وطيّ السراويل وصبغ الشعر ولون الخمار وشرعيّة ختان البنات..
بين مُطالب ورافض (كأننا نتحدّث عن الروافض) يطول الجدل ويتمطط الحِجاج (كأننا نتحدّث عن الحجّاج).
وإن كنتُ حلمتُ أكثر من مرّة بأنني تزوّجتُ أكثر من أربع نساء، إلا أنني لم أجد فائدة في المسألة عدا جانبها الجنسي. بل إنني كلما أفقتُ من حلمي حمدتُ الله ألف مرة على أنني اكتفيتُ بواحدة، ولن أفكّر في ثانية إلا من باب المتعة، أقول هذا دون أن يكون لزوجتي أيّ علم بالمقالات التي أكتب.. هذا هو جوهر الموضوع.
لهذا يُعدّ الشاعر الخائن الأول لزوجته وحبيبته والمطبّق الفعلي لنصّ شرعيّ لم يفهمه المتفقّهون في الدين والآية تنتهي بــ" و لن تستطيعوا أن تعدلوا ".
فالشاعر الذي يدّعي الحداثة والتقدّميّة، يتزوّج بأكثر من أربع نساء في كلّ قصيدة، بل لا بدّ له من ذلك ليكون شاعرا.
لهذا حاربت كلّ الديانات الشعراء لأنهم قاوموا الفكر الظلامي واعتنقوه في نفس الوقت. فمنذ أن طردهم أفلاطون من جمهوريته الفاضلة، إلى أن نزلت في شأنهم سورة الشعراء ظلوا " في كلّ واد يهيمون ".
لهذا فالشاعر يدافع عن حريّة المرأة وقيم الحداثة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية على اختلافها.. ولكنه في نفس الوقت يمارس " قيمة " الكذب تحت شعار "أعذب الشعر أكذبه"، ويمارس الخيانة الزوجيّة الموصوفة في كل قصيدة حبّ، رغم أنه يعشق حبيبته إلى حدّ الموت. بل ويتزوّج بأكثر من امرأة ويجمع بينهنّ في نفس المكان ونفس اللحظة.
لهذا وغيره، نُكّل بالشعراء وأُطردوا ولُوحقوا وسُجنوا .. بل لعلّ موضوع تعدد الزوجات هو الذي جعل الفكر الظلامي يتّهمهم بالكفر والزندقة والخروج عن الملّة. ولأنّ الشاعر استطاع أن يجمع من النساء ما لم يستطع أولئك جمعه... أحبّهنّ وعاشرهنّ وضاجعهنّ، في زمن لن يستطيعوا أن يتزوّجوا لا بأربع ولا بعشر نساء، ولن يستطيعوا ـ تبعا لذلك ـ أن يكتبوا الشعر، لأنّ الشعر زندقة كالعقوق والخمر والزنا..
لم أجد أيّ سبب لربط الشعر بتعدد الزوجات، عدا كون الشعر كالإنسان المتغيّر والمتجدد... الشعر / الإنسان هو الحياة.
أما تعدد الزوجات فهو التعدد لصالح الفرد. ألم نسع إلى محاربة الليبراليّة لأنها تقدّس الفرد/ الأنا؟
فلماذا نسعى إلى تطبيقها، بأن نجعل جنس المرأة في خدمة جنس الرجل؟
للتوضيح فقط، فإن الاجتهاد في الدين شبيه بشاعر يجتهد لكتابة نصّ شعريّ، كلاهما فعل إنسانيّ قابل للخطأ والدحض والرفض.. ولكن غير قابل للتكفير.
هل المجتهد/ العالم من الأنبياء؟ قطعا لا.
إذن نحن نختلف مع شاعر حول نصّ أو قصيدة، بمثل ما نختلف مع مجتهد حول تأويله لنص قرآنيّ.

كاتب تونسي
&