البزنس:


كثرت في السنوات الأخيرة البرامج الترفيهية والغنائية على القنوات الفضائية العربية والتي تعتمد على مشاركة الجمهور وخاصة برامج إكتشاف المواهب منها برنامج" أراب أيدول". وبحسب بعض المصادر الصحفية فإن قناة ام بي سي التي تعرض هذا البرنامج ربحت بالموسم الثاني أكثر من أربعين مليون دولار متأتية من الرسائل التي يبعثها المشاركون وسعر الرسالة دولار واحد، ناهيك عن ملايين أخرى ذهبت للقناة من أجور الإعلانات الباهضة..
وبحسب تخميناتي فإن كل هذه البهرجة الإعلامية التي يتميزبها البرنامج لا تكلف القناة أكثر من مليون دولار، إذا أضفنا إليها أجور لجنة التحكيم و مصاريف المتسابقين فإنم المبلغ لا يتجاوز خمسة ملايين دولار، وبذلك فإن المحطة تضع بحساباتها البنكية في كل موسم ملايين الدولارات، إذن العملية كلها بزنس في بزنس.
يلاحظ أن البرنامج قبل مرحلة الإعداد توفد لجنة حكامها الى أنحاء الوطن العربي وبعض الدول الأوروبية لجمع المتسابقين،وأن اللجنة تختار طبعا من كل دولة عربية عدد من المتسابقين لتضمن وصول الرسائل من شبكاتها الجوالة، وفي المرحلة الثانية ستصرف كل متسابق لم يحصل على النسبة الوفيرة من الأصوات حتى لو كان صوته مميزا.. هو بزنس في بزنس.
وفي كل حلقة من حلقات البرنامج الاسبوعية يتم طرد كل متسابق لم يحصل على أعلى دعم بالرسائل حتى لو كان جديرا بالمنافسة، ولاحاجة في ذلك لرأي الحكام ولجنة التحكيم ولاهم يحزنون، الأمر كل بزنس في بزنس.. من يحصل على أعلى رقم يتقدم حتى لو كان ينهق، ومن تمتع بأجمل صوت ولم يحظ بالدعم المالي من الرسائل يطرد الى خارج السرب، أنها قاعدة البزنس..


التعصب القومي :


في الموسمين الأخيرين كانت مشاركة كل من برواس حسين ولاحقا عمار الكوفي لافتا في البرنامج، بل أن فتاة أخرى عرفت في اليابان بأنها الوحيدة التي تغني الأغاني العربية لم تلق التشجيع اللازم من القناة لمجرد أن اليابانيين بطبيعة الحال سوف لن يصوتوا لها ، ولذلك تم طردها منذ الحلقة الأولى.
أما عن برواس وعمار فقد أكدا خلال تخطيهما المراحل المتعددة أنهما يمتلكان فعلا خامة صوتية جيدة تؤهلهما للمنافسة، وإذا كان حظ برواس أنها لم تجد اللغة العربية وأخفقت في بعض إختياراتها، فإن عمار الكوفي أثبت موهبته وجدارته وثقافته وإمكانياته الهائلة خلال أسابيع المنافسة وإنتزع إعجاب الملايين بما فيهم لجنة الحكام الأربعة، وكان هو بين قاب قوسين أو أدنى من الفوز لولا التعصب القومي الشوفيني الذي نعاني منه نحن الكرد منذ أكثر من ثمانين سنة من إلحاقنا بخارطة العراق.
فهذا الفنان المبدع أكد في تصريحات صحفية أنه تجادل مع إدارة القناة حول غنائه لموال كردي يشيد بالبيشمركة، وأنه طرد من النهائيات لأنه غنى الموال بالضد من إرادة القناة،والشاب لم يشعر بالندم أو الأسف لطرده ما دام يطرد لشيء مشرف له ولشعبه، وأعتقد بأن عمار كان على خطأ حين تصور أن طرده كان بسبب هذا الموال.
أولا أن كل المتسابقين غنوا لوطنهم، منهم المتسابق اليمني والإماراتي والسوري، بل أن لجنة الحكام أشادت مرارا بالجيش اللبناني الذي يحرس حدود أستوديوهات أم بي سي في بيروت، أليس من المفترض أن تحترم قوات البيشمركة الكردية التي غنى لها عمار الكوفي وهي تدافع عن أعراض العرب بالمنطقة برمتها؟..ألم تكن هذه القوات جديرة بتقدير دورها وهي تشن حربا ضروسا نيابة عن الأمة العربية النائمة ضد أشرس هجمة من الدواعش الذين يريدون إرجاع الأمة الى ماقبل ألف وخمسمائة سنة؟.
أظهر إٍستطلاع للرأي أجراه موقع عربي غير عراقي بأن نسبة التصويت لصالح عمار الكوفي فاقت كثيرا ما حصل عليه أيدول العرب حازم شريف، ففي ذلك الإستطلاع ظهر بأن الكوفي حصل على نسبة 18 بالمائة مقابل 16 لحازم وتسعة فقط لصالح المرشحين الآخرين ماجد المدني وهيثم الخلايلي.
من هنا نستنتج وبما لايقبل مجالا للشك بأن إدارة ام بي سي أرادت بالتحجج بعدم الغناء للبيشمركة وثم طرد عمار الكوفي من التنافس الأخير أن تزيح عمار من أمام حازم شريف، لأنه كان المنافس الأقوى له وتفوق عليه بنسب التصويت، وهذا معناه فوزه الأكيد باللقب إذا تم إعتماد النسبة الصحيحة لتصويت المشاهدين، وبذلك فإن اللقلب كان سيكون لصالح الكردي عمار الكوفي وهذا طبعا يعمي عيون العرب والقائمين على البرنامج.
والسؤال المهم هنا،إذا كان الكردي لا يسمح له بحمل لقب أراب أيدول لماذا تسمح القناة بإشراكهم أساسا بالمسابقة؟. أم أن الأموال التي ستتدفق عليهم هي التي تغريهم للسماح بالمشاركة؟.
والسؤال الأهم من ذلك هو، لماذا لايجب أن يكون كرديا محبوب العرب، ماذا في ذلك، هل يريدون من محبوب العرب أن يكون عربيا من عدنان ومن قبيلة أسد وعيونه سوداء وإجازة سوقه مختومة من بلد عربي، ما هذه العنصرية البغيضة التي لم تجن منها الأمة غير البلاء والقتل والدمار؟.


هناك مسابقات عغالمية يشاغرك فيها من إمتلك الموهبة بغض النظر عن لونه وجنسه وموطنه، هناك الآلاف من ممثلي هوليود هم من أصل أوروبي أو إفريقي، هناك مطربون من جنسيات مختلفة يعيشون في أوروبا وأميركا ولا أحد يسأل عن هويته وطائفته وديانته، بل ينبهر بموهبته.
السؤال المكرر لماذا تقبل ام بي سي بدخول الأكراد الى مسابقة هي حكر بمحبوبي العرب؟.


المصداقية :


اللعبة السمجة تصل الى مدياتها القصوى بعدم كشف عملية التصويت للجمهور. ولا أعلم ماهو السر في إخفاء تلك العملية عن المشاهدين والمتسابقين وحصر النتيجة النهائية بإدارة القناة. لماذا لا تعرض عملية التصويت على شاشة كبيرة داخل مسرح البرنامج ويراها المشاهدون الى اللحظة المقررة لتوقفها لكي يعلم المشاهد الى أين ذهب صوته، ولكي يعرف المتسابق بأنه لم يغدر به؟.
والرسائل التي تصل الى البرنامج قد تكون مرسلة من يد عامل بناء جرحه السمنت، أو من يد عامل حدادة كلت بضرب المطارق، أو تكون مرسلة من مريض راقد بالمستشفى، فلماذا لايجب أن يعرف من يرسل دولاراته للقناة بأن رسالته وصلت الى أيدي أمينة لتشجيع الموهبة التي يؤمن بها؟.أم أن المحطة لاتكفيها كل تلك الملايين التي تكسبها من البرامج ومن الإعلانات حتى تحلب جيوب الفقراء ؟.
إن أم بي سي إذا تريد أن تحافظ على مصداقيتها كمحطة محترمة يجب أن لا تلجأ الى المخادعة والى سرقة جيوب المشاهدين، عليها أن تعلن بالموسم القادم نتائج التصويت على الشاشة وليس إخفائها عن المشاهدين.

النتيجة النهائية:

أثبت هذا البرنامج بأننا مازلنا أمة متخلفة لا نتقدم خطوة للأمام.. يتبجح الكثيرون بأن هذه الأمة صدرت العلوم والثقافات والحضارات الى دول العالم، لكن الاجيال الحالية تثبت عكس ذلك.فما زالت العنصرية والتعصب القومي الأعمى غالبا على الكل، ومازالت ثقافتنا ضحلة وفنوننا متخلفة باللحاق بالآخرين، ومازال همنا أولا وأخيرا بطوننا وحلب جيوب الفقراء وإستغفال البسطاء، وإذا كان هذا هو حال الأمة فلا داعي لأن نوهم العالم بأننا أمة الحضارات.
&