بعد سنوات طويلة ناهزت العقد من الزمان، وتغييرات مهمة في البنية الاجتماعية والسياسية بعد سقوط نظام البعث وصدام حسين في معظم أنحاء العراق وخاصة المناطق الأكثر تضرراً من سياسة حزب البعث، والتي تسمى بالمناطق المتنازع عليها، وهي مجموعة مدن وبلدات وقرى كوردية تعرضت خلال ما يقرب من نصف قرن، إلى عملية تعريب وتغيير حاد في ديموغرافيتها وتمزيق ارتباطاتها الإدارية والاجتماعية، بعد تلك الحقبة السوداء تأتي منظمة داعش لتستكمل ما لم يفعله حزب البعث وأجهزته الخاصة آنذاك، معتمدة بشكل رئيسي على المستفيدين منه أساسا وهم كوادره المهمة والمتخصصة في أساليب الترهيب والتقتيل والتهجير وخاصة كوادر الأجهزة الخاصة ( الأمن والمخابرات والاستخبارات والأمن الخاص وفدائيو صدام وملحقاتهم من المعتمدين والعملاء ).
وبقراءة سريعة واستثناءات قليلة جدا نرى إن معظم من استخدمهم البعث في تعريب مناطق سنجار وكركوك وزمار والسعدية وجلولاء وخانقين ومخمور وسهل نينوى، كانوا ابرز من نفذ غزوة داعش على هذه المناطق وأكثرهم قسوة في التعاطي مع سكانها الأصليين، حيث قتلوا الآلاف من الرجال وخطفوا آلاف العوائل والنساء والأطفال، وما اقترفوه من عمليات تجارة رخيصة ومهينة بحق العقيدة الدينية والأخلاقية والاجتماعية، فيما سمي بالسبي والغنائم تحت ذريعة التكفير أو الأسلمة، وتمزيق رهيب للنسيج الاجتماعي يصعب كثيراً إعادته، خاصة وان قيم شفافة تعرضت للمساس من قبل هذه الأدوات التي استخدمها البعث واستقدمها إلى هذه المناطق لغرض تعريبها وسلخها من كوردستان، حيث اقترفت في سنجار واحدة من أبشع جرائم الأخلاق والشرف الاجتماعي بخطف آلاف البنات الايزيديات وبيعهن كسبايا ورقيق، مما أدى إلى تمزيق كبير في اللحمة الاجتماعية بين الأهالي، خاصة وان الذين اقترفوها أناس محليون من ذات المنطقة وأطرافها.

فبينما كانت الخارطة التدميرية لواحدة من هذه المدن وهي سنجار تتضمن ترحيل كل عائلة لديها ناشط سياسي كوردي والاستحواذ على كافة ممتلكاته غير المنقولة مثل البيوت والمزارع والعقارات الأخرى، حيث تجاوز عدد العوائل التي تم ترحيلها إلى خارج المدينة والمحافظة أكثر من 150 عائلة من مركز المدينة فقط، وتم ترحيل ما يقرب من مائة ألف كوردي ايزيدي ومسلم من قراهم إلى مجمعات أشبه ما تكون بمعسكرات الاعتقال سيئة الصيت للنازية إلى الجنوب والشمال من جبل سنجار، وتدمير كافة القرى التي كانوا يسكنونها، حيث بلغت أكثر من 135 قرية في طرفي جبل سنجار الشمالي والجنوبي، بما كانت تحتويه من بساتين ومزارع وينابيع مياه في ما بين عامي 1975 و 1977م، جاءت داعش التي ضمت قيادات وضباط من أجهزة نظام البعث وصدام حسين ومجاميع من المرتزقة العرب والأجانب، إضافة إلى أفواج من الذين انتجتهم الحملة الإيمانية البعثية أواخر تسعينيات القرن الماضي، مع جميع المستفيدين من قوانين التعريب التي خسروا امتيازاتها بعد سقوط ذلك النظام، جاءوا لكي يكملوا تلك الخارطة السبعينية بمحاولة إبادة السكان الأصليين من الكورد الايزيديين والمسلمين، وتهجير كل سكان قضاء سنجار البالغ أكثر من ربع مليون نسمة والذين نزحوا إلى محافظات كوردستان وتحديدا إلى محافظة دهوك وبلداتها.
إن ما حصل في سنجار تم استنساخه في سهل نينوى ومدنها وقراها مع الكورد الايزيديين والشبك والمسيحيين، وكذا الحال في منطقة مخمور ونواحيها التي تعرضت هي الأخرى لذات السياسة التي حاولت إكمالها بعد غزوتهم على تلك المناطق، حيث أثبتت الأحداث وانعكاساتها إن العقلية التي تبناها البعث وصدام حسين في التعامل مع الآخرين المختلفين معهم، هي ذاتها التي أنتجت داعش وسلوكياتها وخطابها الديني والسياسي، وما تزال أبواقها ووسائلها الإعلامية في كركوك وكثير من المدن الأخرى تنهج ذات النهج بل تحضر لمرحلة قادمة تستنسخ فيها ما فعلته في سنجار وسهل نينوى وغيرها من حافات كوردستان.
لقد بدأت كوردستان فعلا عملية المواجهة الكبرى لتحقيق الأهداف السامية، وخطواتها الأولى تنطلق اليوم من تحرير سنجار تحريرا كاملا من كل عناصر ذلك المشروع العنصري وأدواته وثقافته وكل ما له علاقة به أرضاً وفكراً وعناصراً.

&

&