تسارعت الأحداث في أوكرانيا خلال يومين، ما بين اتفاق بوساطة وفد الاتحاد الأوروبي وقع عليه زعماء المعارضة في كييف والرئيس، الذي قدم تنازلات كبرى، وما بين نسخ الاتفاق في الشارع[ ميدان الاستقلال]، وانحياز البرلمان بأكثريته للانتفاضة وقراره بإطلاق سراح الزعيمة المارضة تيموشنكو وقراره بعزل الرئيس، مع ملاحظة حيادية الجيش، وهذا عامل هام لصالح الانتفاضة.
الرئيس المعزول يانوكوفيتش ترك العاصمة لجهة مجهولة، وأعلن رفضه لقرارات البرلمان ووصفها بالانقلاب، وقال إنه الرئيس الشرعي المنتخب. ولا يزال تؤيده [ طبعا عدا روسيا]الشرائح الواسعة من أوكرانيي شرقي البلاد. ومعلوم أن أوكرانيا منقسمة عمليا. فهناك شرق البلاد، وما له من علاقات تقليدية وتاريخية ولغوية مع روسيا. وهناك غربها، الموجود على حافة الاتحاد الأوروبي، والذي تتطلع أكثرية سكانه نحو الاتحاد والانضمام إليه. والانتفاضة إنما اشتعلت أساسا في كييف لعدم توقيع الرئيس الأوكراني على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي- وهذا فضلا عن وجود تمايزات دينية بين القسمين،الغربي والشرقي.
نعم، سجلت الانتفاضة انتصارات أولية هامة جدا، ولكن من السابق لأوانه الحكم بالمسار اللاحق ومآلاته. إن العاملين الروسي والغربي مهمان جدا في تقرير مسار ومآل الانتفاضة بعد كل ما جرى. فأوكرانيا تعتمد كليا على روسيا في تموينها بالغاز والبترول، وهي في أزمة مالية واقتصادية حاول بوتين معالجتها بتقديم مساعدات ب15 مليار دولار. وقد يلجأ بوتين لسلاح قطع الغاز والبترول عن كل حكم جديد لا يرتضيه. ولكن هذا سيضعه أمام معضلة حادة حيث أن أنابيب الغاز الروسي نحو أوروبا تمر بالأراضي الأوكرانية، أي حاجة روسيا لأوكرانيا لتسويق غازها. أما الاتحاد الأوروبي، فالمرجح أن يؤيد بقوة كل حكومة جديدة تحظى بتأييد المنتفضين، وقد يسارع لتقديم معونات مالية وغير مالية لتجنب وقوع البلد في أزمة، وأيضا خوفا من موجات هجرة إلى بلدان الاتحاد تضعها في مصاعب كبرى جديدة.
روسيا تعتبر الحالة تحديا لها، بل وخطرا عليها إذ تخشى العدوى وترى أن ما يجري ضربة لهيبتها، وهي التي راحت تسجل النقاط الهامة في منطقتنا وفي مجلس الأمن، ونحد أنه حتى دول الخليج تتجه نحو المباحثات الإستراتيجية مع روسيا بعد أن قام [ قبل ذلك] المشير السيسي بزيارة موسكو وعقد صفقات سلاح كبيرة؛ ثم وصول لافروف لبغداد لتزويد المالكي بالسلاح.
هناك معلقون يتحدثون عن احتمال تقسيم البلاد، وعن حرب أهلية. هذا يبدو لنا صعبا، فلا روسيا يوافقها هذا، ولا الأكثرية من الشعب ستوافق، ولا الغرب من مصلحته، وسيعمل لتجنيب أوكرانيا هذا المصير. وهكذا، نرى الموقف مفتوحا لاحتمالات شتى وللمفاجآت. وسيلعب دورا مهما في مسار الأحداث ما سوف تتخذه روسيا والاتحاد الأوروبي و واشنطن من مواقف جديدة.
الزعيمة المعارضة المطلق سراحها ألقت في الجماهير الحاشدة في الميدان خطبة حماسية جدا، ودعت لبقاء الجماهير في الميدان quot;حتى نهاية الشوطquot; وقيام الديمقراطية، دون أن تبين ما هو برنامجها هي للتحول نحو الحكم الديمقراطي.
هذه ملاحظات سريعة... فنحن أمام وضع متحرك كل يوم. وإنه لمن مصلحة أمن العالم والديمقراطية، ومن مصلحة شعوب منطقتنا، ان تستطيع قوى التغيير الأوكرانية الواعية، غربا وشرقا، عزل التطرف والعنف ودعاتهما، في أي جانب كانوا، والاتفاق على خارطة طريق نحو الانتقال السلمي لنظام ديمقراطي برلماني ذي علاقات وثيقة بالديمقراطيات الأوروبية، مع إضعاف للنفوذ الروسي الذي جاوز حده. إن أساليب العمل السلمي هي المطلوبة لإفشال تحركات ومناورات القوى المناوئة للتغيير وألاعيب بوتين، الذي يصف كل انتفاضة شعبية لا تحظى برضاه بأنها إرهاب، كما يفعل في سورية.