الاجتماع الأخير الذي عقده الملك الأردني عبد الله الثاني مع رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الأعيان، ورئيس مجلس النواب، ورئيس المجلس القضائي، ورئيس المحكمة الدستورية، وأعضاء المكتب الدائم في مجلس الأعيان، وأعضاء المكتب الدائم في مجلس النواب، أي كافة الجهات التنفيذية والتشريعية والرقابية الأردنية، كان اجتماعا نوعيا ومهما لأنّ الملك كان كعادته في منتهى الجرأة والصراحة خاصة فيما يتعلق بالقضايا اليومية الحسّاسة التي تشغل بال وذهن المواطن الأردني. ومن أهم هذه القضايا ما أشرت لها في مقالتي الأخيرة المنشورة في quot;إيلافquot; يوم التاسع عشر من فبراير بعنوان (المجتمع الأردني والانشغال بقضايا وهمية من صناعة العم كيري). وقد ركّزت على الوهم السائد في أذهان البعض تحت عنوان (الوطن البديل)، وقلت في ختام تحليلي لعدم إمكانية قيام وتحقيق هذا الوهم: quot; إنّ هذا المشروع الوهمي لا وجود له إلا في أذهان المتطرفين اليهود وبعض المتطرفين من الكتاب والسياسيين الأردنيين الذين هم أكثر حقدا على المكون الفلسطينيquot;.

وجاء الملك عبد الله الثاني ليؤكد قائلا،
quot; إلى متى سيستمر هذا الحديث؟ وأقولها مرة أخرى وأؤكد : الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين، ولا شيء غير ذلك لا في الماضي، ولا اليوم، ولا المستقبل....فالحديث عن الوطن البديل تشويش لاغير، وما يحدث أنّ هناك عددا قليلا يسعون لتمييز أنفسهم في الشارع الأردني...إن شاء الله تكون هذه آخر مرة نتحدث فيها بهذا الموضوع، وقلتها أكثر من مرة، لكن المطلوب دعم الجميع في هذه القضيةquot;. وأشار الملك لهذه المجموعة قائلا: quot; نحن نعرف هذه المجموعة وإذا تكرّر هذا الموضوع العام القادم سوف نعلن من هم بالإسمquot; وفي الوقت ذاته داعيا مجموع الشعب الأردني بالتصدي لمن يرّوج لما يسمى الوطن البديل.

إنّها مجموعة يمينية أردنية، نضال حتر مثالا
ويكفي أنّ تأكيد وجود هذه المجموعة الأردنية اليمينية الباثة للفتنة والفرقة بين مكونات الشعب الأردني، جاء بتأكيد صريح واضح من قبل رأس البلاد الملك عبد الله الثاني الذي هو أدرى بمكونات شعبه وقواه السياسية على مختلف توجهاتها. وأنا أكاد أكون متأكدا أن هذه المجموعة اليمينة الأردنية متأكدة مثلي ومثل الأغلبية الأردنية بأنّ quot;الوطن البديلquot; مجرد وهم، ولكنّهم يتعمدون اثارته سعيا quot; إلى تمييز أنفسهم في الشارع الأردنيquot; كما وصفهم الملك عبد الله الثاني، وهذا ينسجم مع مقولة (خالف تعرف). والمدهش المثير للغضب والمرارة أنّ رأس الحربة لهذه المجموعة الأردنية هو الصحفي والكاتب (ناهض حتر) الذي يصنّف نفسه بأنّه يساري ورغم ذلك فغالبية كتاباته فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني تركّز على التخويف من هذا الوهم الذي اسمه quot;الوطن البديلquot;، ولا نعرف من هو أدرى بمحتوى السياسات والساحة الأردنية: هو أم ملك البلاد الذي ينفي هذا الوهم مهدّدا بكشف أسماء مجموعة مثيري الفتنة إن لم يتوقفوا عن جهودهم الفتنوية هذه، التي لا تخدم الأردن ولا أي مكون من منابته وأصوله المختلفة المتعددة، ويجمعها الهوية الأردنية والحرص على استقرار الوطن الذي صهر كل هذه المكونات والأصول في مكون واحد اسمه (أردني..أردني). ولناهض حتر كتابات بخصوص الأردنيين من أصول فلسطنية لا يجرؤ اليمين الليكودي الإسرائيلي على النطق بها، ويكفي هذان المثالان من أقواله في جريدة quot;الأخبارquot; اللبنانية المقرّبة من quot;حزب اللهquot;. يقول في مقالة له بعنوان quot;فلسطينيو الأردن: مشكلات الاندماج والحقوق والعودةquot; بتاريخ الثالث من سبتمبر 2008 : ( واقع الأردن الاجتماعي-السياسي يقول إنّ هناك مكونا فلسطينيا في تلك العملية، لكن المشكلة إنّ اندراج هذا المكوّن الفعلي في الشعب الأردني لم يأخذ بعد أبعاده الثقافية والسياسية، أي إنّ اندماج الفئات الفلسطينية المتأردنة، اجتماعيا وسياسيا، لم يترجم في الوعي السياسي لتلك الفئات). وأعتقد أن أجهل الجهلاء يرفض هذا التصنيف العنصري الكريه (الفئات الفلسطينية المتأردنة) وكأنها فئات نزلت من الفضاء الخارجي، وليس مكون اجتماعي اكتسب الجنسية الأردنية دستوريا وقانونيا بعد وحدة الضفتين عام 1950 . وهل يعي ناهض حتر طبيعة الثقافة والسياسة الأردنية التي تعجّ بمئات من السياسيين والكتاب والمثقفين دون الإشارة لأصل أي واحد منهم طالما جمعتهم دستوريا الهوية الأردنية؟. وفي تحليله للحراك الشعبي الأردني يرى ناهض حتر أنّ السلطات الأمنية تتعامل بنعومة مع حراك شباب عمّان لأنّ غالبيتهم من البرجوازية الفلسطينية بينما هي تتعامل بخشونة مع حراك المدن ذات الأغلبية من أصول أردنية، ويصل به الحال العنصري المثير للفتنة إلى أن يقول في مقالة له بعنوان ( الأردن وتجربة جديدة في الفوضى الخلاقة) بتاريخ الرابع والعشرين من يونيو 2008 : quot; الأردنيون الآن هم السنّة، وفلسطينيو الأردن هم الشيعةquot;. ماذا يقصد بهذا التوصيف؟ لا أعرف. وعلينا أن نسأل صديقيه العماد ميشيل عون الذي زاره في بيروت ليهديه ويلبسه الكوفية الأردنية، وكأنّه يملك توكيلا من الشعب الأردني ليتصرف بكوفيته كما يشاء!!! هذا التبجيل لميشيل عون يقابله الاستهزاء بمكون أساسي من مكونات الشعب الأردني عندما يصف هذا المكون ب (الفئات الفلسطينية المتأردنة). وكذلك فلنسأل صديقه حسن نصر الله الذي يجعله يقف مع طاغية دمشق ضد ثورة الشعب السوري الباحث عن حريته وكرامته وثروته القومية التي سرقتها عائلة الوحش منذ عام 1970 أي قبل 44 عاما..فهل يرضى ناهض حتر هذا للشعب الأردني؟

وهذا يكفي ...وأتمنى أن يضطر الملك عبد الله الثاني لإعلان أسماء هذه المجموعة الأردنية المثيرة للفتنة، التي إن اتسع عقلها عليها أن تفهم وتعي ( لا وطن بديل إلا في خيالها العنصري، لأنّ الشعب الفلسطيني لن يخون قضيته ويستنسخ التجربة الصهيونية على أرض الأردن، وأيضا الشعب الأردني بكل منابعه وأصوله لن يتخاذل في الدفاع عن وطن جمعهم وأسّسوه معا)، وكما قال الملك عبد الله الثاني : quot; الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين، ولا شيء غير ذلك quot; إلا الوهم في أذهان تلك المجموعة الأردنية كي تنال شهرة على حساب فتنة لا يستفيد منها وطن بنّاه أبناؤه من كل المنابت والأصول.

وفي النهاية تحية عالية وتقديرا كبيرا للكاتب الأردني الوطني خالد محادين،
الذي أطلق على هذه المجموعة اليمينية الأردنية لقب (الليكود وحزب الكتائب الأردني الجديد) موجها الخطاب لضمائرهم إن وجدت قائلا:
quot;هؤلاء الذين يطلون برؤوسهم الإقليمية ومتفجراتهم الإقليمية وأحقادهم الإقليمية وأمراضهم الإقليمية ، ويحاولون توزيع سمومهم على باب كل بيت أردني، ليسوا أردنيين غيورين على ماضي وحاضر ومستقبل هذا البلد، فهم أولا ليسوا أبناء آبائهم القوميين الحقيقيين.. وهم ثانيا ليسوا أحفاد جدودهم الذين التقوا على جهة الأردن بناء ودفاعا وشجاعة وانتماء عربيا نظيفا، ولا أعتقد أن واحدا منهم يستطيع الزعم بأنه ابن عشيرة أردنية واحدة، فكلمة (عرب) بكل مدلولاتها ومشتقاتها هي أكثر لفظة في لهجتهم ولغتهم، وهم أعداء الوطن الذي يدعون أنهم يدافعون عنه, فـ quot;الوطنيةquot; ليست مجرد رقم وطني تقرر الحكومة أية حكومة أن مجرد سحبه من أردني سيجعل منه عدوا للبلد، ومن الطريف أن هؤلاء الإقليميين يكونون قوميين عندما يتعلق الأمر بمواقفهم من السوريين أو العراقيين أو اللبنانيين أو سواهم من أبناء هذه الأمة، لكنهم يشعرون باعتلال صحي جسدي أو عقلي عندما يتعلق الأمر بمواقفهم من الفلسطينيين الأردنيين شركائنا في الوحدة في هذا البلد أو حتى من الفلسطينيين في الضفة والقطاع وفنزويلا وجزر القمر والصومال وأقرب الدنيا وآخرها، وقد أعمتهم إقليميتهم عن محبتهم لأمتهم وأعمتهم هذه الإقليمية عن محبتهم لبلدهم ومصالحه وأمنه وسلامه ووحدتهquot;. شكرا أيها الوطني الملتزم خالد محادين، فأنت دوما كما عرفتك وطنيا صادقا حريصا على وحدة الوطن الأردني ومستقبله.
www.drabumatar.com