قالها رئيس حكومة كوردستان وهو يتحدث بمرارة عن سلوك استخدمته كل الأنظمة الدكتاتورية العراقية ضد شعبنا وحركته التحررية منذ ثلاثينات القرن الماضي وللأسف الشديد لحد يومنا هذا، وهو يصف ما تقوم به الإدارة الاتحادية في بغداد من محاولات فرض حصار اقتصادي بانت بوادره بإيقاف صرف مرتبات موظفي الدولة في الإقليم، ومحاولة المسك بكل خيوط لعبة النفط، بعيدا عن فلسفة تقاسم الثروة والسلطة التي دفعت الشعوب العراقية انهرا من الدماء من اجلها.

لقد أعادت هذه السلوكيات التي تصورناها اندثرت مع انهيار نظام الأنفال والحصار إلى أذهاننا، سلوك ضابط صغير في الاستخبارات العسكرية كان مسؤولا عن إحدى سيطرات النظام مع محافظة دهوك في تسعينات القرن الماضي، الذي أطلق عليه الأهالي اسم ( الوحش ) بسبب وحشيته في التعامل مع السكان أيام الحصار المزدوج على سكان الإقليم، حيث شهدت بنفسي أواخر تسعينات القرن الماضي في سيطرة موصل دهوك، وأنا واقف متسمر أمام ما فعله مع امرأة عجوز كانت قد جلبت معها كيلو من الطحينية التي أصر على إفراغها في حذائها، وطلب منها ارتدائه قائلا لها:

فقط بهذه الوسيلة تستطيعين نقل الطحينية ( الراشي ) لأولادك!؟

هذا ما شاهدته وشاهده الكثير أيام نظام صدام حسين وحزب البعث من مجرد ضابط صغير، ينفذ إرادة أسياده في بغداد تجاه شعب كل جريمته انه تواق للحرية والمساواة ولا يرتضي العبودية والاستكانة، فحاولوا بكل جهدهم الخبيث منعه من كل أسباب الحياة، حتى أغلقوا عليه الحدود ومنعوا عنه كل شيء، وسحبوا كل موظفيهم والياتهم وخبرائهم، ظنا منهم انه سينهار أمام إرادتهم الظالمة، ففشلوا وانكفؤا وانتصر الشعب، الذي كان يعمل لسنوات دون مرتبات، تشهد على ذلك آلاف مؤلفة من الموظفين المدنيين والعسكريين، الذين تم تخييرهم من قبل حكومة الإقليم الحرة، بين الاستمرار في الوظيفة دونما راتب، أو ترك الوظيفة بإجازة مفتوحة، فكان الاختيار للأغلبية أن يستمروا في أداء واجباتهم تجاه الوطن دونما مقابل

حتى انتصرت إراداتهم وسقط طاغوت العصر تحت أقدامهم ذليلا خائبا، ونهضت كوردستان بقاماتها لكي تعانق ذرى كاره وهورمان وسفين.

في الأمس لم يك بيد هذا الشعب أي شيء إلا الأرض المحروقة والبلد المدمر، فلا مال ولا موازنة ولا إنتاج، إلا محبة وإرادة الشعب الذي صمد لينتج كل هذا الذي نراه من سنجار وحتى خانقين، واليوم بعد أن مزج أبناء وبنات كوردستان دموعهم وعرق جبينهم ودمائهم من اجل هذا البناء، تأتي مجموعة أخرى لتستنسخ ذات السلوك الذي فعله ذلك الضابط الصغير ( الوحش ) في حصار كوردستان، ومحاولة منعها من مواردها واستحقاقاتها لكي يعيدوا تصنيع ( سكرابات ) دكتاتورية بثوب جديد، متناسين تاريخ طويل يمتد لعشرات السنين من المقاومة والصبر والصمود، لشعب لم تبرد بارودته حتى تحققت بعض أهدافه، فاستبدلها بوسائل البناء والعمران والسلم والأمان، وأنجز خلال سنوات قصار ما عجزت عن تحقيقه كل حكومات بغداد طيلة قرن من الزمان، فكيف يراد له أن يتقهقر إلى الوراء!؟

[email protected]