مخطئ من بعتقد أن الإخوان المسلمين بعيدون عن التيارات الإسلاموية المتطرفة، ومخطئ من يعتقد أنهم متصلون بتلك التيارات بشكل مباشر. الإخوان ليسوا منفصلين عن تلك التيارات، ولكنهم وفي نفس الوقت لا ينسقون معها تنسيقاً عملياتياً مباشراً، ولا حتى غير مباشر.
لفهم المسائل ينبغي أن نتذكر أن بعض منابع الإخوان الفكرية هي ذاتها للتيارات الجهادية، وبالذات كتابات سيد قطب، وكتابات أبو الأعلى المودودي. كما ينبغي أن نتذكر أن تنظيم القاعدة هو نتاج جهود الإخواني د. عبدالله عزام بشكل رئيس. ولكن ينبغي أيضاً ملاحظة أن عزام ذاته، رغم احتفاء الإخوان به، لم يجد ترويجاً كبيراً داخل الجماعة، فهي كانت تدرك ومنذ البداية أنها والسلفية الجهادية يتنازعان ذات الجمهور، وأنها تستفيد من أجواء الارتخاء السياسي النسبي فتتمدد في ذلك الجمهور على حساب السلفية الجهادية، في حين يتقلص نفوذها في أجواء التوتر والقمع، ويتمدد نفوذ السلفية الجهادية. جماعة الإخوان تمثل خيار المشاركة السياسية ويناسبها ذلك الخيار وتناسبها أجواء الصراعات الإعلامية، فيما الجماعات السلفية تمثل خيار quot;الجهادquot; ويناسبها، وتلائمها أجواء البنادق.
ورغم إدراك قيادات الإخوان لهذه المعادلة إلا أنهم انزلقوا في خطأين كبيرين أديا إلى تراجع قوة التنظيم بشكل ملحوظ لصالح السلفية الجهادية بكافة أطيافها، ويشمل ذلك التراجع ساحات مصر وليبيا وسوريا والأردن، وحتى غزة. خطآن كانا بمثابة هديتين ثمينتين استقبلتهما التيارات السلفية الجهادية برضى كبير.
الخطأ الكبير الأول كان في انزلاق الجماعة إلى التأييد الضمني للتحشيد المذهبي والصدام بين السنة والشيعة. الإخوان كانوا متوازنين في هذا الملف ولفترة طويلة، وحافظوا على علاقات منتجة مع قوى شيعية مهمة طيلة عقود. يبدو أن الإخوان حاولوا خلال الأعوام الثلاثة الماضية ركوب موجة التحشيد المذهبي للحصول على مكاسب شعبية إضافية في أوساط السنة، وشاهدنا هتافات إخوانية في هذا الصدد في شوارع عمان، وشاهدنا القبول الضمني لإخوان مصر في زمن مرسي للتحريض الذي أدى إلى سحل عدد من الشيعة هناك. ولكن ما جرى على أرض الواقع هو أن ذلك ساعد منافسي الإخوان (السلفية الجهادية) على التقدم إلى المرتبة الأولى في الأوساط السنية، فيما تراجعت قوة حلفاء الإخوان في المقابل الشيعي لصالح تيارات شيعية أكثر تطرفاً. أجواء التطرف تقلل فرص البراغماتية الإخوانية مقابل الخطاب الأكثر عاطفية وغرائزية نفسية للسلفيين.
هذا الخطأ ذاتي، ولا يوجد أي تبرير موضوعي له.
الخطأ الكبير الثاني هو الانزلاق للعنف. قد يكون لهذا الخطأ مبررات موضوعية، وقد لا يكون، فهي مسألة خلافية، ولكن في النهاية تورط الإخوان في العنف في سوريا وفي مصر. ويقول مراقبون أن الإخوان خسروا فروعاً كاملة انضمت بالجملة إلى خلايا سلفية مقاتلة في سوريا، فيما خسر الإخوان في مصر كثيراً من أعضائهم الذين توجه بعضهم إلى التيارات الأكثر تطرفاً والتي تتبنى العنف. في مصر وفي سوريا تم وضع الإخوان في دائرة العنف. ليس من السهل الجزم بأن الإخوان كان يمكنهم تجنب البقاء في تلك الدائرة في الحالتين، ففي سوريا انزلقت الأمور إلى مواجهة مسلحة، وفي مصر تم اتخاذ إجراءات أمنية وسياسية أدت إلى إقصاء الإخوان بعد الإطاحة بمرسي. ولكن وبغض النظر عن الظروف التي قد تكون دفعت الإخوان في هذا الطريق فإن النتيجة هي أنهم خسروا الكثير من الأعضاء والكثير من النفوذ.
ما تثبته الخبرة الزمنية الطويلة وما يقوله خبراء الحركات الإسلامية هو أن الإخوان تنظيم قادر على الاستمرار وعلى العودة. ولكنه في هذه المرة خسر الكثير، والغريب أنه ما زال مصمماً على السير في طريق المواجهة في مصر، متسبباً لنفسه في المزيد من الخسائر، في مصر وفي خارجها.
*كاتب وصحفي أردني مقيم في السويد