عجيب أمر المشتاقين لكرسي الرئاسة في مصر، أرائهم ومواقفهم تتبدل وتتغير، حسب الظروف والمصالح، فلم يكد قانون الانتخابات يرى النور حتى سارعت الأحزاب والتيارات السياسية لمهاجمته بوصفه يحتوي على مادة تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات، ومن بين هؤلاء التيار الشعبي بزعامة quot;حمدين صباحيquot; فقد وصفت حملة صباحي القرار بالانتكاسة لمسار ثورة 30 يونيو، زعيم هذا التيار خاض انتخابات الرئاسة السابقة، وكانت قرارات اللجنة العليا للانتخابات محصنة وفقا للمادة 28 من قانون انتخابات الرئاسة السابق فما الذي جرى، ولماذا هبت الصيحات المسعورة تنبح وتنهش في جسد هذا القانون؟

ليعلم المرجفون في المدينة انه لا يوجد شي يسمى quot;تحصينquot;، ويمكن لأي متضرر من قرارات اللجنة العليا للانتخابات أن يتقدم أمام اللجنة نفسها بما يشاء من طعون وفق ضوابط محددة، وفي وقت محدد، ثم إننا بصدد تشكيل مفوضية وطنية للانتخابات يناط بها وضع التشريعات اللازمة عقب الانتخابات البرلمانية المقبلة هذا جانب، أما الجانب الأخر هو أن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لديها مهمتان:
الأولى مهمة إجرائية: تتمثل فى تلقى الطعون وإصدار القرارات الإدارية.
الثانية مهمة قضائية: تتمثل في حقها إحالة هذه الطعون للمحكمة الدستورية العليا للبت فيها.
من هنا فإن من يقول إن اللجنة العليا ألغت الطعن كذاب أشر، لأنه لا يعكس الواقع، والواقع يعطي الحرية كاملة لمن يريد التقدم بأى طعن على قرارت اللجنة العليا
يستطيع أن يتقدم به أمام اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وعلى اللجنة إحالة الطعن إلى المحكمة الدستورية العليا لإصدار حكمها، أما إذا ترك الأمر للمحكمة الإدارية العليا للقيام بالفصل فى الطعون سندخل في مأزق جديد، وهو أن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لن تقبل بحكم قاض أدنى فى مواجهة قاض أعلى، وهذا سيدفع اللجنة إلى التوجه للمحكمة الدستورية العليا لرفع قضية تنازع فى الاختصاص، ولو قبل أعضاء اللجنة العليا بالأمر فإن جمعياتهم العمومية حتماً سترفض ذلك، خاصة أن من بين أعضاء اللجنة النائب الأول لرئيس مجلس الدولة.
فى مثل هذه الحالة تتولى المحكمة الدستورية العليا الفصل فى تنازع الاختصاص، وقد تستمر القضية شهورا عدة، وتكون الدولة فى هذا الوقت بلا رئيس، وهو أمر لا تحتمله مصر التي تمر بظروف صعبة منذ ثلاث سنوات.
لسنا في حاجة إلى القول إن قطاعا كبيراً من تيارات وحركات سياسية متباينه تستفيد من بقاء الأوضاع الراهنة المضطربة كما هي لأن هذه التيارات ستخضع للقانون، وستفتح جهات التحقيق ملفاتها لمعرفة مصادر الدعم المالي القادم لها من كل حدب وصوب، من جهات خارجية وداخلية لها مصلحة في التأثير وتحقيق مكاسب، وأخرى تتربص بمصر رغبة تعطيل خريطة المستقبل، ووقف حال مواطني هذا البلد، ووقد ظهرت حقيقة هذه التيارات والحركات وأهدافها الخبيثة أمام المواطن البسيط، ولن تجرؤ على اللعب في الساحة، وجني الأموال بعد انتخاب الرئيس والبرلمان، ووضع البلد في مساره الصحيح، هم لا يريدون الحصانة لقررارات اللجنة العليا للانتخابات لأن هواياتهم الطعن على قرارات اللجنة من أجل تأخير إعلان اسم الرئيس المقبل لتمتد المعاناة، والدوران في حلقة مفرغة.
لقد أثبت quot;حمدين صباحيquot; عشقه للسلطة حتى وإن لم يمتلك المؤهلات المطلوبة لممارستها، هذا الرجل سبق وأقسم بالله أنه لا يريد السلطة بعدما راه من من حكم quot;محمد
مرسيquot;، حتى quot;خالد عليquot; الذي لم يحصل في الانتخابات الماضية سوى على اصوات لا تتعدي المئات، يصول ويجول، ويعلن أن تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات غير دستوري، والسؤال المطروح الان هل مثل هذه الشخصيات تصلح لحكم مصر في هذا التوقيت؟
الاجابة بالقطع لا، مصر يا سادة محاصرة من الجهات الأربع، وتحتاج لقائد قوي ينقذها ويخرج بها إلى بر الأمان، أنني مؤمن إيمانا لا يتزعزع أن السيسي هو الرجل الأنسب لقيادة مصر في هذه المرحلة، فنحن محاصرون من الداخل من قوى لا تريد الخير لهذا البلد، وتريد سرقة ثورة الثلاثين من يونيو بكل وقاحة، ودون خجل، وهذا هو الأخطر، نحن محاصرون من إثيوبيا في الجنوب حيث سد النهضة المدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة وقطر وتركيا بهدف منع المياه عن مصر حتى يموت أهلها عطشا، نحن محاصرون من السودان المتذبذبة مواقفه، والمرتبكة قيادته الوالتي تعاني خللا عقليا، يهدد الروابط الأبدية بين شعبي وادي النيل، لكن المصالح والمساومات العالمية، والدور الذي تلعبه أميركا وأوروبا ودول عربية معادية لمصر يؤثر على موقف السودان من شقيقتها الكبرى.
مصر محاصرة من جهة الغرب من ليبيا، حيث لا تسيطر حكومة quot;علي زيدانquot; على كامل الاراضي الليبية، ولا على ثروات الشعب الليبي، وباتت المدن الليبية بنغازي وبرقة والزنتان وغيرها مرتعا للمسلحين ممن ثاروا على نظام الراحل quot;معمر القذافيquot;، وملاذا للجهاديين الذين دخلوا ليبيا وأقاموا مراكز للتدريب، ويلاحقون المصريين الغلابة الذين يسعون وراء لقمة عيش عز أن يجدوها في وطنهم، ويقتلونهم بسبب الدين، ويفجرون سفارات غربية تتبع من يصفونهم بالكفار لقتلهم أو خطفهم والمساومة على
اطلاق سراحهم مقابل فدية، وعلى حدودنا الشرقية يقف العدو اللدود إسرائيل، الصديق المخلص والوفي للإخوان المجرمين، وربيبتها حماس التي تسلح التكفيريين في سيناء، وتتظاهر بالعداء لإسرائيل، وتعقد معها الصفقات، ويسهر قادتها في باراتها، ويشنون حربا ضارية ضد الجيش والشرطة المصرية، مصر محاصرة أيضا من الشمال حيث أوربا الدائرة في فلك الولايات المتحدة، ولها مصالح في مصر، سبب كل هذا الحصار من الجهالت الأربع هو استقلال القرار المصري، ورفض التبعية وازاحة الإخوان أداة تنفيذ السياسية الصهيو أميركية في الشرق الاوسط، والعالم العربي، مصر تقاوم، وترفض أن تكون لقمة سائغة للأطماع العالمية والإقليمية.
الحصار الداخلي أشد وطأة يشعر به المواطن الفقير والغني على السواء، المصريون يشتكون من حالة التردي الاقتصادي والاجتماعي وما صحبه من تردي أخلاقي، شباب مصر تائه يشغل وقته على المقاهي بين دخان الأرجيلة، وقطع الشطرنغ، وكل همه الحصول على قطعة حشيش يغيب بها عقله، يحتاج هؤلاء الشباب إلى قائد يعرفهم معني الوطن وقدر مصر، يقيم للملايين منهم معسكرات تدريب لابراز مواهبهم، ليكونوا نواة للانطلاق بمصر لتحقيق الحلم مثلما حققته الصين وماليزيا والبرازيل وغيرها، لن تصبح مصر أم الدنيا قد الدنيا إلا بالعمل المخلص، وتحقيق العدالة، وتطبيق القانون على الجميع، ومحاربة الفساد، يجب أن تحتضن مصر كل أبنائها، في الخارج مصريون بالملايين علماء، ورجال أعمال، يودون العودة لو توافرت لهم حياة كريمة، لقد قررت العودة مؤقتا لكن أولادي لا يطيقون البقاء في مصر، لا تعليم، ولا صحة، ولا نظام مرور، ولا أخلاق، ولا سلوكيات، إنما كذب، ونفاق، وجهل، وفهلوة،وشجار في الشارع، وفي البيت وفي السوبر ماركت، وفي المواصلات، يقول أولادي ما الفائدة أننا ننتمي إلى بلد صاحب حضارة، وتاريخ عريق لكن لا يوجد قانون الذي
هو عماد الدولة، ولا أخلاق التي هي عماد المجتمع، جئنا للاستقرار في مصر قبل ثلاثة أشهر ونفكر في الرحيل، لأنه لا أمل لديهم في الحياة الكريمة التي إعتادوا عليها في الخارج، الأمل الذي اراه أنا في وجه رجل أسمه quot;عبد الفتاح السيسىquot;، أشعر أننا سنبقى في هذا البلد، وأن الرجل سيحول حب الناس إلى طاقة إيجابية للنهوض بمصر، ليس أمامنا سوى العمل بإخلاص لأننا إذا سقطنا، لن تقوم لنا قائمة، المتربصون والمرجفون في المدينة يملأون الأماكن، كلمة ثوري باتت علكة أو لبانه في فم كل من هب ودب، كل فريق الآن يدعى الثورة، وأنه الثورى، الذى يحمل مفتاح المستقبل، أدعى ذلك مرسي وقادنا إلى نفق مظلم، ويدعي ذلك الان أتباعه وصبيانه، والشعب فى حالة مزرية، والأحوال المعيشية شديدة القسوة على الناس، وlaquo;النخبةraquo; لا تبصر، لانهم ببساطة مجموعة من الافاقين، وأصحاب الأجندات والمصالح الخاصة، الإعلام الخاص يسيطر عليه عديمو الموهبة والكفاءة، تحالف أصحاب المصالح، ورجال الأعمال، القوى الرجعية والمتطرفة وأصحاب المصالح صاروا جميعاً فى صف، والشعب فى صف آخر.
لقد نجح المصريون في إعادة ثورتهم المسروقة، ومسكوا الحرامي، ووضعوه في السجن وانقذوا أنفسهم من مصير مظلم، إذ لم نكن نتخيل على الإطلاق أننا قادرون على أن ننتزع مصر مرة أخرى من هؤلاء الخونة، الذين أرادوا أن يصبغوا الحياة بصبغتهم الجاهلة، هم خوراج هذا الزمان أذلهم الله في الدنيا قبل الأخرة، القضية اليوم هي أن مصر فى لحظة أخطر من اللحظة التى أدت إلى نزول الملايين فى الشارع فى 30 يونيو، فنحن فى حصار من الداخل والخارج، ولا بد من قائد قوى، لا نحتاج قائدا رومانسيا، أو حالما بأمجاد عبد الناصر، فلم يعد ثمة مجاملة، لأن كل حركة ستكون محسوبة، ومن الممكن أن تؤدى إلى خطأ كبير وسط هذه الحالة من التمزق الشديدجداً بين النخبة، وأصحاب المصالح، وبين المضحوك عليهم، والمغرر بهم، وبين الصادقين الحقيقيين، بين من يدور ويلف بين كل هذه الفئات، إلى آخر كل هؤلاء، المصريون يدركون ما يحيق بمصر من مخاطر وسيختارون الأنسب لقيادة بلدهم في هذا الظرف التاريخي.
إعلامي مصري