مرّت ثلاث سنوات حرب في سوريا ودخلنا العام الرابع بلا اية بارقة أمل فقد اسودّت الدنيا ولم نعد نحتمل الظلام الدامس
همجٌ ورعاعٌ جاؤوا من كلّ حدب وصوب من كلّ قارات العالم ، براريه وخرائبهِ وكهوفهِ ليعيثوا فسادا في بلاد كانت مهد الحضارات وأضحت مهد القذارات والسفالات
كلّ شيء قد اتضح الان واسدل الستار عن زمر المقاتلين الاجانب الذين تركوا اوطانهم وانتشروا في عموم الساحة السورية ولم يعد يصدمنا ظهور مجموعات مسلحة وميلشيات بأنواعها تنشر القتل والخراب في الداخل السوري وتعيث فسادا في ارض الشام وتخرّب مدنها الجميلة وأريافها الخضر بل وامتد نشاطها التخريبي الى دول الجوار مثل لبنان وأجزاء من الحدود العراقية -- السورية وغيرها
ونحن هنا في الشارع العراقي بدأنا نلاحظ في بعض احيائنا لافتات لمقاتلين قضوا نحبهم داخل سوريا وقاتلوا بحجج وذرائع شتى منها حماية الاضرحة والمزارات الدينية المنتشرة في عموم دمشق وريفها كالسيدة زينب والمقامات الشيعية وأضرحة الفواطم ، ناهيك عن المجموعات المسلحة من المتطرفين المتشددين المتعاطفين مع القاعدة من الذين بايعوا عتاة المتشددين مثل جماعة /النصرة ولملوم داعش رافعي شعارات الجهاد من كل حدب وصوب حيث تتوافد موجات من زمر المقاتلين من كافة الاراضي العربية والإسلامية وحتى من quot;مسلمي quot; اوربا وأمريكا وبأعداد مخيفة تقدم كالسيول الجارفة ينشرون شرورهم في بلاد الشام البهيّة الناعمة الملمس ، مهد الحضارات الانسانية وهلال الشرق الخصيب ووادي الجمال المزهر ، حوض البحر المتوسط الدافئ المفعم بالخير والجمال والمحبة ومنبت الانسان المتحضر الراقي وباني أعرق الحضارات في تلك الربوع الساحرة

لقد مزّقوا شعبنا هناك وشرّدوا اهلها نزوحا الى دول الجوار ومنهم هرب بعيدا الى الشتات القصية واحرقوا عشبها الاخضر وورودها وياسمينها العبق، دمّروا تراثها الخالد ومعالمها ومنائرها وأديرتها المتضرّعة الى الله وراهباتها النقيّات المتعلقة قلوبهنّ بالسماء أحرقوا أحياءها وشوارعها وأسواقها وكل ما هو بهيّ مشرق، ضربوا فسيفسائها الملوّنة التي تخلب الالباب لانها تعبّر اجمل تعبير عن التآخي المذهبي وتنشر اواصر المحبة والتعايش السلمي بين شرائح مجتمعها بكل قومياتها ؛ عربا وكردا وأرمن وغيرهم بمختلف مذاهبهم وعقائدهم اسلامية كانت او مسيحية أو درزية تتعايش معا في هذه البقعة المباركة
اننا نرى المشهد الرهيب ذاته الذي جرى على بلادي العزيزة عراق الرافدين فقد مُزّقت الاوصال هناك تماما مثلما تمزقت في بغداد وبقية مدننا ، انهم نفس العتاة الاغراب الغازين الذين يستهدفون ارقى قيم الارض واجمل وأثرى بقاع المعمورة متمثلة في بلاد الشام وأرض السواد والحداد وكأن انياب الشرّ ومخالبه وهجمات البرابرة تمتلئ غضبا وحقدا وقوى الظلام تريد ان تطفئ وهج التحضر والنماء في بلدان تعدّ من اكثر شعوب الارض ثراءً حضاريا ورقيّا انسانياً ولم تسلم حتى الكنوز الاثريّة والرموز التأريخية من النهب والتخريب والمتاجرة وكأنهم لم يكتفوا بتدمير الانسان وتخريب بنائه التحتي بل عملوا على نفيه وطرده من دياره ليكون لاجئا يتسول المعونات من هذا وذاك وهو الذي أعطى كل ماعنده في سبيل نموّ وارتقاء البشرية الى سلّم الحضارة الانسانية الزاهية

وبسبب جهلهم وحقدهم وهشاشة اساسهم الحضاري فقد عمدوا وبكل وقاحة وعدم استحياء الى محو اية معالم للرقيّ والنماء واستهدفوا كل بقعة انجبت خيرا وبناء راقيا وصروحا من العلم والرقيّ وجعلوا من تلك البقاع ساحة للصراعات السياسية الخارجية فسوريا الان على مفترق طرق وربما تتجه نحو المجهول مالم نوقف زحف من هبّ ودبّ من الأقوام الفاسدة من برابرة التخلف والدمار ايّا كانوا سواء من الذين في الداخل من اعوان النظام ومناصريه أو الزحف المخيف من جراد وسموم الخارج الذين عاثوا في الارض السورية فسادا مثلما أفسدها ربيبو نظام الحكم الأسدي؛ فالذي يهمنا ويوجعنا هو مصير اهلنا السوريين على اختلاف شرائحهم الدينية والمذهبية، اولئك الذين اصبحوا ضحية اجندات ومؤامرات داخلية من النظام نفسه ومن اجندات خارجية تريد جعل سوريا الحبيبة ساحة للصراعات الاقليمية والدولية بحجج وذرائع شتى كلها تصبّ في غير صالح المواطنين السوريين الذين لاناقة لهم ولاجمل في تلك الصراعات التي خلّفت ولازالت تخلّف المزيد من الدمار والموت والخراب الذي عمّ ارجاء سوريا

أيها العرب؛ هوناً على أشقّائنا السوريين المبتلين بشرور الداخل والخارج ضحايا مطرقة النظام الدكتاتوري وسندان التدخلات الآتية من وراء الحدود
خزياً وعاراً لكل من يزيد من عذابات الشعب السوري الضائع في الشتات، والمدمَّر في الداخل
بردا وسلاما على بلاد الشام وربوعها ونفوسها فقد ذاقت الكثير من المحن ونزفت دما غاليا عزيزا
بكماً وصمّاً وعمياً لكل من يريد إذلال وقتل وتدمير هذا الشعب النبيل ايّا كان منبته سواء من وراء الحدود أو من أذناب العقارب التي تستعير سمومها من سماسرة السياسة القذرة خارج سوريا
وانا انهي هذه المقالة.. تحضرني ابيات رائعة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وهو يتذكر دمشق الموجوعة بأبنائها في الداخل وفي الشتات وجمالية الربط بينها وبين بلاد الرافدين فكلا البلدين يمثّلان ثراء الشرق وعراقتهِ ولهذا السبب لاغير تصوّب نحوهما سهام التخلف والدمار:

quot;في دمشق تطير الحماماتُ خلف سياجِ الحريرِ
اثنتين ..اثنتين
في دمشق ارى لغتي كلَّها
على حبّةِ القمحِ مكتوبةً
بإبرةِ أنثى ينقّحها حجر الرافدينquot;

[email protected]