السفير الامريكي السابق لدى دمشق السيد روبرت فورد ذهب الى التقاعد بناءً على طلبه.

في مقابلة له مع جريدة الشرق الاوسط سأله المراسل فيما اذا كان سبب استقالته كان quot; مرتبطا بسياسة بلاده اتجاه سوريا quot;، كان رد السفير هو :
quot; لا.... اعتقد ان هناك فائدة من جلب اناس جدد وافكار جديدة لمعالجة هذه القضية. quot;
الذي قاله السيد فورد ليس شيئاً جديدا لدى رجال السياسة او لدى الذين يُشغلون مناصب سياسية رفيعة في الديمقراطيات الغربية الراسخة، بل هو عرف وتقليد عريق و يشكل احد اهم الاسباب في تقدم تلك المجتمعات. هذا التقليد والعرف يتلخص بانه في حال عدم نجاح السياسي في مهامه ضمن مدة زمنية او فشل الزعيم السياسي في تحقيق وعوده للناخبين هو ترك المنصب والاستقالة وفتح الطريق امام quot; اناس جدد وافكار جديدة quot; لتحقيق النجاح والاهداف. هذا ما فعله السيد فورد، علما انه ليس قائدا سياسيا وانما موظف في السلك الديبلوماسي ليس الا وكان باستطاعته الاستمرار في وظيفته ولكنه اختار تحمل المسؤولية خدمة لبلاده واحتراما لشعبه.
لو كانت الحادثة في الشرق الاوسط لتذرع سعادة السفير بأن سبب الفشل كان الاسهال والمغاص المزمن في البطن بسبب مرض لم يستطع الاطباء من تشخيصه الا مؤخرا وانشاء الله سنحل الازمة قريبا.
السيد فورد لم ينجح في وقف القتال او اسقاط النظام في سوريا وقد لعب الدور الرئيسي في تشكيل المعارضة وامدادها بالشيكات والاسلحة والرواتب والاقامات الفندقية.
كيف يمكن ان ينجح ومعه معارضة كهذه؟
شخص واحد اي السفير تحمل المسؤولية كاملة و بذلك فتح الطريق امام زميل آخر له ليبدأ بسياسة ووسائل جديدة.
ولكن ماذا عن المعارضين؟
المعارضة كانت فاشلة منذ تشكيلها وحتى هذه اللحظة لانها ولدت مشرذمة ومشوهة. لا احد يعرف كيف تم تجميع كل هؤلاء المعارضين ووضعهم في quot; بوتقة امريكانية quot; واحدة؟ الله اعلم. اللبواني قال : اجهزة الاستخبارات العائدة لعدة دول هي التي قامت باختيارنا نحن المعارضين و هكذا تم تشكيل المعارضة. يعني كل جهاز جاء بـ quot; زلمته quot;.....شاهد شاهد من اهلها.
المعارضة فشلت سياسيا بالتشرذم وعسكريا ايضا في الاشهر الاخيرة. الا ان الفشل الذريع كان الفشل الاخلاقي، ففي الوقت الذي تحول فيه نصف الشعب السوري الى نازح ومهاجر بالاضافة الى التعرض اليومي للقتل والدمار وانتشار الارهابيين التكفيريين وقطع الرؤوس، كانت المعارضة تقيم في الفنادق خمسة نجوم وملابسهم والكرافيتيات على احدث طراز وتشكيلات الطعام من خمسة قارات ومن quot; مئة دولة صديقة quot; ورواتب بالدولار مع الحصول على الجنسيات الامريكية والاوربية لهم ولاسرهم. لا يستطيع احد ان يدعي ان معارضا واحدا اقام مع اسرته في احدى مخيمات المهاجرين في دول الجوار. هل يظن احد ما ان شعوب العالم عميان؟
في الحقيقة معارضة بهذه المقاييس هي الضمانة الاساسية لاستمرار النظام ونجاحه في البقاء في السلطة. لقد اكتشف السيد فورد العلة ولكن كان متأخرا جدا.
يجب ان لا ننسى ان كل يوم في التأخر في الوصول الى الحل السياسي يعني على الاقل مئة ضحية اخرى من الشهداء والدمار والمعاناة من الجوع والمرض.
استقال السيد فورد ولكن لم تحدث اية معجزة في المعارضة. حتى الآن لم نجد معارضا واحدا يقدم استقالته معترفا بفشله وليفسح المجال لاناس جدد وافكار جديدة. لقد استقال البعض ولكن اما بسبب الخلافات او التآمر. المضحك هنا هو العودة السريعة عن استقالة البعض والسبب معلوم وهوالعملة التي توزع بالوسائل quot; الشرق اوسطية quot; في الائتلاف وحواشيه.
دون شك هناك اشخاص محترمين وذوي النوايا والاخلاق الحسنة ضمن المعارضة ولكنهم لا يظهرون بسبب ضعفهم وانقيادهم ضمن القطيع.
هذه المسرحية الهزلية موجودة لدى الاحزاب السياسية الكردية ايضا.
منذ اكثر من اربعين عاما هناك انشطار كالخلية السرطانية في جسم الحركة السياسية الكردية بسبب الانشقاقات حتى وصل عدد الاحزاب فيها الى ما فوق العشرين.
وكما كان الحال مع الانقلابات العسكرية العربية كان الانقلابيون الذين قاموا بالاستيلاء على السلطة يقولون ان هدف الانقلاب هو تحرير فلسطين، كان كل حزب كردي بعد الانشقاق يعلن ان هدفه الاساسي هو توحيد الحركة السياسية الكردية. ولكن لم تتحرر فلسطين وتشرذمت الحركة الكردية اكثر فاكثر.
بالعكس من الوعود تماما ازداد الانشقاق والانشطار عند الكرد ولم نجد اي مسؤول حزبي يقدم استقالته ويقول : لقد فشلت وانني استقيل لفتح الطريق امام quot; اناس جدد وافكار جديدة quot;.
تخلف او تقدم الشعوب ليست عملية اعتباطية او ضربة حظ او يانصيب بل هو عدم وجود الاخلاق والاعراف السياسية النبيلة في مجتمعاتنا تحترم نفسها وتحترم شعوبها.
السيد فورد كان شخصا واحدا واستقال بينما هناك المئات في المعارضة والالوف في الحركة السياسية الكردية عليهم ان يستقيلوا ويسجلوا سابقة تاريخية في هذا المجال.
لم ولن يستقيل احد بسهولة والتبدلات في الفكر والذهنية ربما تحتاج الى عقود وعقود وفي التجربة الكردية نرى كيف ان الامور تسير من سيئ الى اسوأ منذ خمسة عقود بالكامل...... ولا استقالة واحدة. هل من تفسير......
لا.... الا سبب واحد وهو اننا نعيش في بلد العجائب..... الذي غادره السيد السفير.......
طبيب كردي سوري