وأخيرا، حقق بوتين بعض ما أراد في أوكرانيا، أي ضم شبه جزيرة القرم بعد quot; استفتاءquot; صوري، تم تحت حراب التخويف والإغراء والنفخ في غرور العنصرية الروسية. وها هو يهرع لما يسمى ببرلمان القرم محييا quot; إرادة الشعبquot; بالعودة quot; لروسيا الأمquot;، وسط تصفيق عاصف، يذكرنا بأيام ستالين.
بوتين يرد على الغرب، الذي يدين الإلحاق بالقوة باعتباره مخالفا للقانون الدولي، فيرى أن أميركا هي من خالفت القانون في أفغانستان وليبيا. أما التدخل الروسي المكشوف في سوريا وأوكرانيا، ومن قبل في جورجيا، فهو ضمن القانون الدولي تماما! ومن قبل، كان مشروعا وقانونيا الغزو السوفيتي لأفغانستان، وتشريد التتار وتهجير قوميات بأكملها من أراضيها، كما كان يفعل ستالين.
بوتين يطمئن الأوكرانيين بأن لا خطط روسية لاحتلال المزيد من أراضيهم، وكأننا هنا نسمع ما كان يردده هتلر بعد قضم أراض جديدة من تطمين ومن محاولة تهدئة، ولكنهما كانا يضمران العكس. فروسيا بوتين لن تكتفي بهذا العدوان والضم لبعض أراضي أوكرانيا، بعد أن قامت بعمليات مماثلة في جورجيا، وهي ستظل مصدر تهديد جدي لأوكرانيا ما لم يأت في كييف رئيس وحكم يسايران الإرادة الروسية. ؤبوتين، فوق ذلك، يطمح لاستعادة جميع الجمهوريات السابقة التي انفصلت واستقلت، وذلك بمختلف الطرق والأساليب: من ضغوط سياسية وغازية، وإشعال فتن داخلية، أو بمشاريع quot;كمركيةquot;، وبعدوان مكشوف عند اللزوم. بل، وإن بوتين لن يرتاح قبل إخضاع الدول الشرقية- التي كانت سابقا تدور في الفلك السوفيتي- ومن هنا مخاوف هذه الدول، وهي مخاوف جدية.
إن ما يجري أمام أنظار العالم هو أن دولة يقودها قيصر طموح، ينفخ في لهيب العنصرية القومية الروسية [ الروس الأعلون وروسيا الكبرى]، تبيح لنفسها انتهاك مبدا احترام السيادة ووحدة الأراضي بحجة أن أقلية ما تعاني الاضطهاد، أو أن أرضا ما كنت تعود سابقا لروسيا، وهذا، كما كتبنا في مقال سابق، يذكرنا بالمذهب والممارسة الهتلريين اللذين انتهيا إلى إشعال الحرب العالمية الثانية. لكن مما يشجع روسيا على المضي في سياستها التوسعية والاعتداء على سيادة الآخرين ودعم أنظمة الطغيان الدموية، المعادية لحقوق الإنسان، هو الوضع الدولي المبتلى بهيمنة سياسات رخوة ومتناقضة أمام زحف العدوان والطغيان في كل مكان، وتحديهما للبشرية وللقيم الإنسانية والقانون الدولي[ كما المأساة السورية، والعنجهية لإيرانية، وسحق حقوق الطفولة والمرأة واللاجئين في العراق،ألخ]. وكيف لا يواصل بوتين مذهب العدوان والتوسع وهو الذي يتدخل في سورية علنا بكل قواه، كما تفعل حليفته إيران، ويتحالف مع كوريا الشمالية، ويتسلل لمصر والعراق ودول غيرهما في المنطقة، وبإزائه رئيس أميركي لا يبدو أنه مستعد لاستبدال سياسات الاسترضاء والتهديد الكلامي بسياسة جديدة تساهم في ردع المعتدين والطغاة . وأما العقوبات الغربية المتخذة لحد اليوم، فهي تخدش ولا تردع الدبابات والصواريخ الروسية والخطف الروسي لمجلس الأمن