دعا اوباما في ولايته الأولى إلى تصفية السلاح النووي عالميا، وأيدته الأمم المتحدة في دعوته.
في حينه، كتبنا مؤيدين لهدف التصفية النووية هذه ، كهدف بعيد ونبيل، ولصالح البشرية جمعاء، ولكننا أبدينا الرأي في أنه مجرد هدف مثالي بعيد جدا، ولا يمكن أن يكون هدفا عمليا.
أوباما كان يفكر في بضعة دول كبرى نووية وملتزمة، يمكن أن تتفق مرة أو أخرى على تخفيض أسلحتها النووية، ولكن المشكلة ليست في هذا النمط من الدول quot; غير المارقةquot;، أي غير المتمردة على القانون الدولي. المشكلة في دول دكتاتورية عدوانية، من نووية أو ساعية لامتلاك السلاح النووي. هذه الدول تناور وتتلاعب، وتظهر مرة مرونة، لتعود مرارا للتصلب وتوتير الجو، كما تفعل كوريا الشمالية وإيران، وهي دول تقودها عقلية الغرور القومي والشخصي والهوس التوسعي، ويمكن أن تنجر بسهولة للمغامرات الخطرة من وقت لآخر. المشكلة هي في هذا النمط من الدول التي لن تكف عن مطامحها النووية ومخططاتها التوسعية برغم استخدامها لتكتيكات مختلفة بحسب الظروف. وهل يخدم الأمن والسلام أن تتخلى دول كبرى عن سلاحها النووي بينما ثمة دول مارقة تظل متشبثة بالسلاح أو بهدف تصنيعه؟؟ وهذه الدول هي التي تساند كل أشكال المتطرفين، وهي التي تؤجج التوترات الإقليمية والدولية من وقت لآخر. وفي الوقت الراهن، فإن روسيا بوتين قد انضمت لهذا النمط من الدول [ المارقة]، التي تدوس على القانون الدولي وتعتدي على الجيران، وهي كما نعلم دولة نووية، ولها مخزون كامل وهائل من السلاح النووي.
إن قمة الأمن النووي، التي انفضت للتو في لاهاي، بحثت مخاطر تسرب القدرات والأسلحة النووية للإرهابيين. والاحتمال وارد جدا. وهو خطر يجب بحثه والعمل لتلافيه. وأتذكر أن تقارير صحفية قبل سنوات تحدثت عن علاقات لكوريا الشمالية مع القاعدة. كما أن قوة الخطر الإرهابي الإسلامي في باكستان وتزايد نشاطات طالبان والقاعدة هناك مما يجعل مبررا القلق من احتمال حصول الإرهابيين بطريقة أو أخرى على السلاح النووي.
الواقع، أن مسألة الأمن النووي لا ينبغي فصلها عن مجمل الأوضاع الدولية، ولاسيما الأزمات الساخنة كالمسألة الأوكرانية، والنووي الإيراني، والأزمة السورية. ومن المفارقات أن الإدارة الأميركية تبدي عمليا كل التساهل مع إيران، ووافقت على التنازل لها عن عدد من المطالب والشروط الدولية التي كانت متفقا عليها، ولاسيما حظر التخصيب المحلي، وغلق منشأة آراك، وتسليم الكميات الضخمة من اليورانيوم المخصب المتراكم هناك. وإيران هي التي تشارك في الحرب مع الأسد وترعى حزب الله الإرهابي والمليشيات الشيعية العراقية الإرهابية والحوثيين وغيرهم من الإرهابيين ومشعلي الفتن. فكيف يستقيم هذا التهافت على صفقة مع إيران والحديث عن الأمن النووي؟ وكذلك الحال، وبدرجة أقوى، مع روسيا النووية، التي تغزو وتعتدي وتشارك في الحرب الأسدية، ولكن أوباما يرفض تعزيز القدرات العسكرية الأوكرانية، ويقدم رجلا ويؤخر أخرى، متعكزا على الاتحاد الأوروبي الذي له مشاكله الخاصة الكبرى. وكل هذا مما يشجع عدوانية بوتين ومطامعه التوسعية. وها هي كوريا الشمالية تجرب منذ أيام صواريخ جديدة صوبت باتجاه اليابان، وتكرر استفزازاتها للجيران، وتقدم المساعدات العسكرية لإيران.
الخلاصة، انه بدلا من مؤتمرات تستنزف الجهود والاهتمام لبحث أهداف غير عملية في المرحلة الراهنة، وقد تصرف النظر عن القضايا السياسية الساخنة والملحة، فإن المطلوب هو التركيز على هذا القضايا ومعالجتها بحكمة وبحزم، لأنها مترابطة، ولها أيضا علاقة بالأمن النووي، وخاصة الحالة الأوكرانية والمخاطر الروسية التي تهدد دول البلطيق وشرق أوكرانيا وبولونيا ورومانيا، والتحدي الإيراني النووي والتوسعي التخريبي، والأزمة السورية، بما فيها خطر الإرهاب،الذي أفرزنه بسبب التواطؤ الاسدي والتخاذل الدولي.
والمطلوب أن يتخذ الغرب، وأميركا خاصة، مواقف صلبة وحازمة تجاه دول وقوى العدوان المغامرة، لكي تتيقن هذه فعلا بأن للمغامرات والعدوان عواقبها الوخيمة جدا على المعتدين.